في اللحظة التالية مباشرة، قبل أن يبدأ الحصان الوثب، وجد فلوري نفسه ينطلق في الهواء، ويرتطم بالأرض في دوي كادت تنخلع منه كتفه من مفصلها، ثم تدحرج بعدها عدة مرات. حمدا لله، وقعت الحربة بعيدا عنه. استلقى فلوري على ظهره، ورأى السماء الزرقاء والنسور المحلقة رؤية مشوشة. ثم استقرت عيناه على العمامة الكاكي والوجه الداكن لأحد الرجال السيخ، بلحية ممتدة حتى عينيه، وهو منحن فوقه.
قال فلوري بالإنجليزية: «ماذا حدث؟» ونهض على كوعه متألما. رد الرجل السيخي بإجابة ما بصوت أجش وأشار. رأى فلوري المهر الكستنائي ينطلق بعيدا في الميدان، وقد تدلى السرج تحت بطنه. لم يكن حزام السرج مربوطا، وكان قد انزلق؛ ولهذا سقط فلوري.
حين جلس فلوري وجد نفسه في ألم بالغ. كانت كتف القميص اليمنى قد تمزعت وتشربت دما، وشعر بمزيد من الدماء تنزف من وجنته. لقد خدش من الأرض الصلبة. وقبعته أيضا اختفت. تذكر إليزابيث فباغته ألم ممض، ورآها آتية ناحيته، على مسافة لا تزيد عن عشر يارادات، تنظر إليه مباشرة وهو ممدد بصورة مخزية جدا. قال في نفسه: «يا إلهي، يا إلهي، ويحي، كم أبدو أحمق حتما الآن!» صرف هذا الخاطر ألم الوقعة. وضع يده سريعا على وحمته، مع أن وجنته الأخرى هي التي جرحت. «إليزابيث! مرحبا يا إليزابيث! صباح الخير!»
كان قد صاح بلهفة وتوسل، كما يفعل المرء حين يدرك أنه يبدو أحمق. لم ترد، والعجيب لدرجة استعصاء تصديقه أنها سارت دون أن تتوقف ولو للحظة، كما لو كانت لم تره أو تسمعه.
نادى عليها مرة أخرى مدهوشا: «إليزابيث! هل رأيت سقوطي؟ لقد انزلق السرج. الجندي الأحمق لم يكن قد ...»
ما من شك أنها كانت قد رأته هذه المرة. أدارت وجهها بالكامل إليه لوهلة، ونظرت إليه وتجاهلته كما لو كان ليس موجودا. ثم حدقت بعيدا فيما وراء الجبانة. كان الأمر فظيعا. راح ينادي عليها باستياء: «إليزابيث! مهلا، إليزابيث!»
مضت في سبيلها بلا كلمة أو إشارة أو نظرة. وكانت تسير سريعا على الطريق، وهي تطقطق بكعبيها، وقد ولته ظهرها.
جاء الجنود حوله، وفيرال أيضا، جاء على جواده إلى حيث كان فلوري مستلقيا. حيا بعض الجنود إليزابيث؛ وتجاهلها فيرال، ربما لأنه لم يرها. نهض فلوري واقفا بصعوبة، فقد أصيب برضوض شديدة، لكن من دون كسور. أتى له الهنود بقبعته وعصاه، لكنهم لم يعتذروا على تقصيرهم. بل بدوا مستهزئين به إلى حد طفيف، كما لو كانوا يرون أنه لم ينل سوى ما يستحقه. من الوارد أنهم كانوا قد فكوا حزام السرج متعمدين.
قال فلوري بالأسلوب الضعيف الغبي الذي يتحدث به المرء في مثل تلك اللحظات: «انزلق السرج.»
قال فيرال باقتضاب: «لماذا لم تفحصه قبل أن تركب بحق الشيطان؟ لا بد أن تعلم أنه لا يمكن الثقة في هؤلاء الأرذال.»
अज्ञात पृष्ठ