لماذا؟ ولماذا أعطى وعدا من الأساس؟ كان أمرا بسيطا، مجازفة صغيرة - ليس بها شيء بطولي - إلا أنه كان مخالفا لطبعه. لماذا، بعد كل هذه السنوات - سنوات من العيش بحذر مثل واحد من سائر السادة الأوروبيين الواعين - يحطم كل القواعد فجأة؟
كان يعلم السبب. كان السبب أن إليزابيث، بدخولها حياته، غيرتها وجددتها تماما كأنه لم تمر عليه كل تلك السنوات من القذارة والبؤس قط؛ إذ غير وجودها مدار تفكيره كلية. فقد أعادت له هواء إنجلترا، إنجلترا العزيزة؛ حيث التفكير حر ولا يحكم على المرء باتباع سلوك «البوكا صاحب» إلى الأبد من أجل تهذيب الأعراق الدنيا. تساءل في نفسه: ماذا حدث للحياة التي كنت أعيشها مؤخرا؟ مجرد وجودها جعل التصرف بلياقة ممكنا بل وطبيعيا.
تساءل مرة أخرى مع مروره من بوابة الحديقة: ماذا حدث للحياة التي كنت أعيشها مؤخرا؟ كان سعيدا، سعيدا. فقد أدرك أن المتقين على حق حين يقولون إن ثمة خلاصا وإن الحياة من الممكن أن تبدأ من جديد. سار الممشى، وبدا له أن منزله، وزهوره، وخدمه، حياته بأسرها التي كانت منذ وقت قصير غارقة في ضجر وشوق للوطن، جعلت بطريقة ما جديدة وذات معنى وجميلة بلا حدود. كم من الممكن أن يصير كل شيء ممتعا، فقط إذا كان لديك شخص لتشاركه إياه! كم من الممكن أن تهوى هذا البلد، فقط إذا لم تكن وحيدا! كان نيرو بالخارج على الممشى متحديا الشمس من أجل بعض من حبوب الأرز التي أسقطها البستاني وهو يأخذ الطعام إلى عنزاته. اندفعت فلو إليه، لاهثة، وانطلق نيرو في الهواء بنشاط وحط على كتف فلوري. سار فلوري إلى المنزل بالديك الأحمر الصغير بين ذراعيه، مربتا على طوقه الحريري الملمس وريش ظهره الناعم المتخذ شكل الألماس.
لم يكد يطأ الشرفة حتى علم أن ما هلا ماي في المنزل. لم يكن بحاجة لأن يأتيه كو سلا من الداخل مسرعا بوجه عليه نذر الشر. فقد كان فلوري قد اشتم رائحة الصندل والثوم وزيت جوز الهند والياسمين الذي في شعرها. فأنزل نيرو على سور الشرفة.
قال كو سلا: «لقد عادت المرأة.»
كان فلوري قد شحب بشدة. وكان حين يشحب تجعله الوحمة يبدو قبيحا حد البشاعة. شعر بوخز كأن شفرة من جليد قد اخترقت أحشاءه. كانت ما هلا ماي قد ظهرت في مدخل مخدع النوم؛ إذ وقفت خافضة وجهها، وهي تنظر إليه من أسفل حاجبين مرتخيين.
قالت بصوت خفيض، تناصفت فيه نبرتا الحزن والاستعجال: «سيدي.»
قال فلوري بغضب لكو سلا، منفثا عن خوفه وغضبه عليه: «انصرف!»
قالت: «فلتأت إلى المخدع يا سيدي. لدي شيء لأقوله لك.»
تبعها إلى المخدع. خلال أسبوع - كان أسبوعا فحسب - تدهور مظهرها بشكل غير عادي. فقد بدا شعرها ملبدا. واختفت كل قلاداتها، وكانت ترتدي إزارا من قماش قطني منقوش بزهور صنع في مانشستر، بروبيتين وثماني آنات. وكانت قد دهنت وجهها بطبقة سميكة جدا من البودرة حتى بدا كأنه قناع مهرج، وعند منبت شعرها، حيث انتهت طبقة البودرة، ظهر خط من جلدها بلونه البني الأصلي. بدت عليها سيماء العاهرات. أبى فلوري أن يواجهها، وإنما وقف ينظر بعبوس من خلال الباب المفتوح على الشرفة. «ماذا تريدين بالرجوع هكذا؟ لماذا لم تعودي إلى قريتك؟» «إنني مقيمة في كياوكتادا، في منزل ابن عمي. كيف يمكنني العودة إلى قريتي بعد ما حدث؟» «وماذا تقصدين بإرسالك رجالا للمطالبة بمال مني؟ كيف يمكنك أن تحتاجي إلى مزيد من المال بهذه السرعة، وقد أعطيتك مائة روبية منذ أسبوع فقط؟»
अज्ञात पृष्ठ