كان الجو يزداد حرا أكثر فأكثر، فأصاب إليزابيث أول نوبة طفح جلدي من الحر. كذلك كاد يتوقف لعب التنس في النادي؛ فقد صار الناس يلعبون شوطا واحدا في كسل ثم يسقطون على المقاعد ويتجرعون كميات من عصير الليمون الفاتر؛ فاتر لأن الثلج يأتي من ماندالاي مرتين فقط أسبوعيا ويذوب خلال أربع وعشرين ساعة من وصوله. في هذه الأثناء بلغت شجرة لهب الغابات أوج ازدهارها. وكانت النساء البورميات، لحماية أطفالهن من الشمس، يلطخن وجوههم بمستحضر تجميلي أصفر حتى يصيروا أشبه بالأطباء المشعوذين الأفارقة لكن صغار. وجاءت أسراب من الحمام الأخضر وحمام إمبراطوري كبير في حجم البط، لتأكل حبوب أشجار التين المجوسي الضخمة القائمة على طريق السوق.
في الوقت ذاته كان فلوري قد طرد ما هلا ماي من منزله.
كم هي مهمة مزعجة مقرفة! كان لديه ذريعة كافية - أنها سرقت صندوق سجائره الذهبي ورهنته في منزل لي ييك، البقال والمسترهن المحظور الصيني الذي في السوق - لكنها رغم ذلك كانت مجرد ذريعة. كان فلوري يعلم جيدا، وما هلا ماي تعلم، وكل الخدم يعلمون أنه كان يتخلص منها بسبب إليزابيث. بسبب «السيدة الإنجليزية ذات الشعر المصبوغ»، كما كانت ما هلا ماي تدعوها.
لم تحدث ما هلا ماي جلبة شديدة في البداية. وإنما وقفت تنصت عابسة وهو يحرر لها شيكا بمائة روبية - يستطيع لي ييك أو التاجر الهندي في السوق صرف الشيكات - ويخبرها بأنها مطرودة. كان محرجا أكثر منها؛ فلم يستطع أن ينظر في وجهها، وكان صوته رتيبا وتشي نبراته بشعوره بالذنب. حين جاءت عربة الثيران لتأخذ أغراضها، أغلق على نفسه مخدعه متواريا إلى حين انتهاء الموقف.
صرت عجلات العربة على الطريق، وتصاعد صياح رجال؛ وفجأة تعالت جلبة مذعورة من الصرخات. خرج فلوري فإذا بهم جميعا يتشاجرون عند البوابة في ضوء الشمس. كانت ما هلا ماي متشبثة بالبوابة بينما يحاول كو سلا أن يدفعها للخروج. ولت وجهها مليئا بالغضب واليأس ناحية فلوري وهي تصرخ وتصرخ: «سيدي! سيدي! سيدي! سيدي ! سيدي!» وقد آلمه ألما نافذا أنها ما زالت تناديه «سيدي» بعد أن صرفها.
قال فلوري: «ما الأمر؟»
اتضح أنه كان ثمة وصلة شعر مستعار ادعت كل من ما هلا ماي وما يي ملكيتها. أعطى فلوري الوصلة لما يي ونفح ما هلا ماي روبيتين لتعويضها. ثم مضت العربة تهتز، وقد جلست عليها ما هلا ماي بجانبها سبتان من الخوص، مستقيمة الظهر ومتجهمة، تداعب على ركبتيها هريرة، كان قد أهداها إياها منذ شهرين فقط.
كو سلا، الذي طالما تمنى التخلص من ما هلا ماي، لم يكن سعيدا الآن وقد تحقق ذلك. بل وكان أقل سعادة وهو يرى سيده ذاهبا إلى الكنيسة - أو «المعبد الإنجليزي» كما كان يسميه - إذ كان فلوري ما زال في كياوكتادا يوم الأحد الذي وصل فيه القس، وذهب إلى الكنيسة مع الآخرين. كان هناك جمع من اثني عشر شخصا، بينهم السيد فرانسيس والسيد صامويل وستة مسيحيين من أهل البلد، والسيدة لاكرستين التي راحت تعزف ترنيمة «ابق معي» على هارمونيوم صغير بدواسة واحدة. كانت تلك المرة الأولى منذ عشر سنوات التي يذهب فيها فلوري إلى الكنيسة، إذا استثنينا الجنازات. كانت أفكار كو سلا حول ما يجري في «المعبد الإنجليزي» مبهمة إلى أقصى حد؛ لكنه كان لديه يقين أن الذهاب إلى الكنيسة دلالة على السلوك المحترم؛ وهي السمة التي كان - شأن كل خدم العزاب - يكرهها من أعمق أعماقه.
هكذا قال كو سلا في يأس للخدم الآخرين: «ستقع مشكلة عما قريب. ظللت أراقبه (يقصد فلوري) طوال الأيام العشرة الماضية. لقد قلل من عدد السجائر التي يدخنها لخمس عشرة واحدة، وأقلع عن شرب الجين قبل الإفطار، ويحلق لنفسه كل مساء - وإن كان يظن أنني لا أعلم، الأحمق! - وقد طلب نصف دزينة قمصان حرير جديدة! كان علي الوقوف على يدي الخياط ونعته بأقذع الألفاظ لحمله على الانتهاء منها في الميعاد. نذر شر! أتوقع له البقاء على هذا الحال ثلاثة أشهر أخرى، بعدها أودع السكينة في هذا المنزل!»
سأله با بي قائلا: «إذن، هل سيقدم على الزواج؟» «إنني على يقين من ذلك. حين يبدأ رجل أبيض في الذهاب إلى المعبد الإنجليزي، تكون بداية النهاية، إذا جاز القول.»
अज्ञात पृष्ठ