سار الاثنان في ممشى الحديقة، وفلو تمرح حولهما وتحاول لفت الانتباه إلى نفسها. كانت دائما ما تنبح على الشرقيين الأغراب، لكن راقت لها رائحة المرأة الأوروبية. اشتدت حرارة الشمس، وسرت من زهور البتونيا على جانب الممشى رائحة الكشمش الأسود، وهبطت واحدة من الحمام إلى الأرض، لتنطلق في الهواء مرة أخرى في الحال حين حاولت فلو الإمساك بها. توقف فلوري والفتاة مرة واحدة، لينظرا إلى الزهور، وفجأة سرى فيهما شعور بالسعادة لا سبب له.
أعاد قوله: «حقا لا بد ألا تخرجي في الشمس من دون اعتمار قبعة.» وبطريقة ما كان ثمة شعور بالألفة في قول هذا. لم يستطع أن يمنع نفسه من الإشارة إلى شعرها القصير بطريقة أو بأخرى، فقد بدا له جميلا جدا. وكان بحديثه عنه كأنه لمسه بيده.
قالت الفتاة: «انظر، إن ركبتك تنزف. هل حدث هذا حين كنت آتيا لإنقاذي؟»
كان ثمة خيط رفيع من الدم الذي تجلط قرمزيا على جوربه الكاكي. قال: «الأمر هين.» لكن لم يشعر أي منهما في تلك اللحظة أنه أمر هين. طفقا يثرثران بحماس غير عادي حول الزهور. قالت الفتاة إنها «تعشق» الزهور. تقدمها فلوري في الممشى، وهو يتحدث مبالغا في الحديث حول نبات تلو الآخر. «انظري إلى زهور الفلوكس هذه كيف تنمو. إنها تظل مزهرة طوال ستة أشهر في هذا البلد. فهي تحب الشمس وتزدهر معها. أعتقد أن تلك الزهور الصفراء تكاد تكون في لون زهور الربيع. أنا لم أر زهرة ربيع منذ خمس عشرة سنة، ولا زهرة منثور. تلك الزينيا جميلة، أليس كذلك؟ تبدو كأنها زهور مرسومة، بتلك الألوان المطفية الخلابة. هذه زهور القطيفة الأفريقية. إنها خشنة الملمس، تكاد تكون مثل الحشائش، لكن لا يسعك إلا أن تحبيها، فهي زاهية وقوية جدا. لدى الهنود ولع خاص بها؛ فأينما وجدت هنودا تجدين زهور القطيفة، ولو بعد سنوات بعد أن تكون الغابة قد محت كل أثر لها. لكنني أرجو أن تأتي إلى الشرفة لرؤية الأوركيد. لدي منها بعض الزهور التي يجب رؤيتها فهي تبدو تماما كأنها أجراس من الذهب - مثل الذهب حرفيا. وتفوح منها رائحة عسل، تكاد تكون نفاذة. هذه هي المزية الوحيدة تقريبا في هذا البلد، إنها مناسبة لنمو الزهور. أرجو أن تكوني هاوية للبستنة؟ فهي عزاؤنا الأكبر في هذا البلد.»
قالت الفتاة: «إنني أعشق البستنة حقا.»
ودخل الاثنان الشرفة. كان كو سلا قد ارتدى على عجل قميصه وأفضل عصابات رأسه العصابة الحريرية الوردية، فجاء من داخل المنزل بصينية عليها دورق جين وكئوس وصندوق سجائر. وضعها على المنضدة، وضم يديه معا وهبط إلى ركبتيه محييا، وهو يرنو إلى الفتاة ببعض الترقب.
قال فلوري: «أظن أنه لا جدوى من عرض الشراب عليك في هذه الساعة من الصباح؟ لا يمكنني إقناع خادمي قط أن بعض الناس تستطيع أن تعيش من دون تناول الجين قبل الإفطار.»
وضم نفسه لأولئك الناس بأن لوح بيده رافضا الشراب الذي عرضه عليه كو سلا. كانت الفتاة قد جلست على المقعد الخوص الذي وضعه لها كو سلا في نهاية الشرفة. كانت زهور الأوركيد بأوراقها الداكنة معلقة وراء رأسها، بباقاتها الذهبية الزهر، تنشر عبير عسل دافئ، بينما وقف فلوري أمام سور الشرفة، موليا الفتاة إحدى صفحتي وجهه، محتفظا بوجنته الموحومة خفية.
قالت وهي ترسل نظرها إلى سفح التل: «ترى من هنا منظرا غاية في الروعة.» «نعم، أليس كذلك؟ إنه بديع في هذا الضوء الأصفر، قبل أن تصعد الشمس في كبد السماء. أحب ذلك اللون الأصفر الداكن للميدان، وأشجار البوانسيانا الملكية تلك، كأنها بقع من اللون القرمزي. وتلك التلال في الأفق، شبه سوداء.» ثم أضاف قائلا: «يقع معسكري على الجانب الآخر من تلك التلال.»
خلعت الفتاة، التي كانت بعيدة النظر، نظارتها لترسل بصرها بعيدا. فلاحظ أن عينيها كانتا ذاتي زرقة فاتحة شديدة الصفاء، أفتح من زهرة الجريسة. ولاحظ نعومة الجلد حول عينيها، يكاد يكون في نعومة بتلات الزهور. وهو ما ذكره بسنه ووجهه المنهك مرة أخرى، حتى إنه أشاح بوجهه قليلا عنها. لكنه قال بعفوية: «حسنا، يا له من حظ الذي أتى بك إلى كياوكتادا! لا يمكن أن تتخيلي تأثير أن نرى وجها جديدا في هذه الأماكن. بعد أشهر من مخالطة مجتمعنا البائس، وما يعرض من جولات أحد المسئولين، وإبحار رحالة أمريكان إلى منبع نهر إيراواداي بكاميراتهم. أعتقد أنك قدمت من إنجلترا مباشرة؟» «حسنا، ليس إنجلترا تحديدا. كنت أعيش في باريس قبل أن آتي إلى هنا؛ ذلك لأن أمي كانت فنانة.» «باريس! هل عشت حقا في باريس؟ يا إلهي، تصوري أن تأتي من باريس إلى كياوكتادا! دعيني أقل لك إنه من المستعصي تماما على المرء في حفرة كهذه أن يصدق أن ثمة أماكن مثل باريس.»
अज्ञात पृष्ठ