دفع فلوري كرسيه للوراء وهب واقفا. لا يجب، ولا يمكن ... بل لا ينبغي مطلقا أن يستمر هذا الأمر أكثر من ذلك! ينبغي أن يخرج من الحجرة سريعا، قبل أن يحدث شيء في رأسه ويبدأ في تكسير الأثاث وقذف الصور بالزجاجات. خنازير حمقى سكارى بلداء! هل من الممكن أن يستمروا أسبوعا تلو الآخر، وعاما بعد الآخر، يكررون نفس اللغو الخبيث كلمة كلمة، مثل محاكاة لقصة من الدرجة الخامسة في «بلاكوودز»؟ ألن يخطر لأي منهم أبدا شيء جديد ليقوله؟ آه، يا له من مكان، ويا لهم من ناس! أي حضارة هذه! حضارة آثمة قائمة على الويسكي و«بلاكوودز» وصور «الجرو بونزو»! فليرحمنا الرب، فكلنا جزء منها.
لم ينبس فلوري بكلمة من هذا، وكابد بعض الآلام لكيلا يظهر على وجهه. وقف بجوار مقعده، متنحيا قليلا عن الآخرين، بنصف ابتسامة مثل رجل لا يثق في محبة الناس له قط.
وقال: «أخشى أنني سأضطر للمغادرة. للأسف، علي القيام ببعض الأمور قبل الإفطار.»
قال ويستفيلد: «ابق وتناول شرابا آخر يا رجل. ما زال الوقت مبكرا. فلتحتس الجين. سيفتح شهيتك.» «لا، شكرا، لا بد أن أذهب. هيا يا فلو. إلى اللقاء يا سيدة لاكرستين. إلى اللقاء جميعا.»
قال إليس بمجرد اختفاء فلوري: «خرج واشنطن بووكر، صديق الزنوج.» كان من المألوف دائما أن يقول شيئا بغيضا عن أي شخص بمجرد أن يغادر الحجرة. «أعتقد أنه ذهب لمقابلة اللزج جدا. أو تسلل تجنبا لسداد قيمة المشروبات.»
قال ويستفيلد: «إنه ليس شخصا سيئا. يقول بعض الأشياء المتشددة أحيانا. لكن لا أظنه يعنيها تماما.»
قال السيد ماكجريجور: «شخص طيب جدا بالتأكيد.» أي أوروبي في الهند هو شخص طيب، بحكم عمله، أو بالأحرى بحكم لونه، حتى يرتكب أمرا شديد الفظاعة. إنها مرتبة شرفية. «إنه شديد التطرف بالنسبة إلي. فأنا لا أطيق أي شخص يرافق أهل البلد. لا عجب أنه حصل على مسحة من فرشاة القطران هو نفسه. فهذا يفسر تلك العلامة السوداء التي على وجهه. ذلك الأبقع. ويبدو كشخص رعديد، بذلك الشعر الأسود، وبشرته الصفراء كالليمون.»
سرت بعض النميمة العابرة حول فلوري، لكن ليست كثيرة، لأن السيد ماكجريجور لم يكن يهوى النميمة. مكث الأوروبيون طويلا في النادي بما يكفي لاحتساء دور آخر من الشراب. وحكى السيد ماكجريجور حكايته عن بروم، التي من الجائز أن ترد في أي سياق تقريبا. ثم ارتدت المحادثة إلى الموضوع القديم الذي لا يمل أبدا؛ وقاحة أهل البلد، وتراخي الحكومة، والأيام الخوالي الحلوة حين كان الراج البريطاني في عزه وبرجاء إعطاء حامله خمس عشرة جلدة. لم يكن هذا الموضوع ينسى طويلا، بسبب هوس إليس به من ناحية. كما أنه من الممكن عذر الأوروبيين كثيرا على تذمرهم؛ فالعيش بين الشرقيين والعمل معهم يحتاج صبر أيوب. وكانوا جميعا، وبوجه خاص المسئولين الرسميين، يعرفون معنى أن يستفزوا ويسبوا. فكان كل يوم تقريبا، حين يسير ويستفيلد أو السيد ماكجريجور أو حتى ماكسويل في الشارع، ويمرون بصبية المدرسة الثانوية، تقابلهم السخرية على وجوههم الشابة الصفراء - وجوه ناعمة مثل العملات الذهبية، مفعمة بالاحتقار المزعج المطبوع على الوجه المنغولي - وأحيانا تعلو أصواتهم خلفهم بضحكات مثل صوت الضباع. لم تكن حياة المسئولين الإنجليز في الهند شهدا خالصا. فربما كان لهم الحق في أن يكونوا بغضاء قليلا وهم يعيشون في معسكرات خالية من أسباب الراحة، ومكاتب شديدة الحر، وبيوت مسافرين معتمة تفوح منها رائحة الغبار والنفط الخام.
كانت الساعة تقترب من العاشرة، وصار الحر فوق الاحتمال. تجمع على وجوه الجميع، وعلى سواعد الرجال العارية قطرات راكدة وشفافة من العرق. وراحت بقعة رطبة على ظهر سترة السيد ماكجريجور الحريرية تزداد حجما. بدا كأن الوهج بالخارج تخلل بطريقة ما الأستار الخضراء التي غطت النوافذ، ليصيب عيون الجميع بالألم ويملأ رءوسهم بالخمول. صار كل منهم يفكر بفتور في إفطاره الدسم، وفي الساعات الطويلة المملة المقبلة. وقف السيد ماكجريجور وعدل وضع نظارته، التي انزلقت على أنفه المتعرق.
ثم قال: «من المؤسف أن ينتهي هذا التجمع المرح. لكن لا بد أن أعود إلى المنزل من أجل الإفطار. هموم الإمبراطورية. هل سيذهب أحد في طريقي؟ السائق في الانتظار مع السيارة.» قالت السيدة لاكرستين: «أكون شاكرة إذا أخذتني أنا وتوم. كم هو مريح ألا نضطر إلى السير في هذا القيظ!»
अज्ञात पृष्ठ