78

इंसान कहाँ है

أين الإنسان

शैलियों

فقال: أما النساء الجميلات الواقفات في أول الحديقة، فإنهن تصوير لحال الشهوات الإنسانية، إذ يظن الناس أنها سعادات، وما هي بسعادات، فالأغذية والتزوج، وما أشبهها شملت الإنسان والنبات والحيوان، فهي ليست حقيقة السعادة ، وإنما هي أشراك نصبت لقوام الأبدان وولادة الولدان، فمن ظن أنها غاية السعادة وأنهك فيها قواه صار لها عبدا خاضعا، وصارت نفسه كما ترى في المنظر الثاني.

وأما هؤلاء النساء اللاتي يخمشن الوجوه، ويضربن الصدور، وينتفن الشعور، فذلك مثال أولئك الذين ملكتهم الشهوات حتى ظنوها سعادات، فأنفقوا أموالهم، وأصبحت ديارهم قاعا صفصفا، خوالي من الدرهم والدينار، فصاروا لصوصا سارقين، أو مزورين أو لأوطانهم خائنين، أو لأصدقائهم خادعين، أولئك هم الفجار الآثمون.

وأما هؤلاء النسوة اللاتي تراهن خاليات من الزينة وهن يشرن إلى ما فوق الجبل فهن مثال العلوم التي يقرأها الناس في المدارس الشرقية والغربية، كالرياضيات والطبيعيات، والآداب والشعر، والموسيقى والتنجيم، وأكثر الفنون العلمية، يظنها الناس سعادات وما هي بسعادات، إن هي إلا مقدمات والسعادات نتائج.

فقلت: لئن سلمنا لك أن الشهوات بعيدة عن السعادات لأنها تستعبد الجهال، فما بالنا نصدق أن العلوم ليست سعادات؟ فقال: لا تعجل وتربص شرح المنظر الرابع.

فأما ما تراه في السهل المنبطح من تلك النساء الثلاث اللاتي تجردن من الزينة، وهن ساكنات ساكتات، فتلك مثال العفة والصبر، وقوة العزيمة، إنهن لشديدات على الأنفس، بالعفة تصان الشهوات، وبالصبر تنال أعلى الدرجات، فإذا أحكمتم آدابكم، وصنتم شهواتكم، ارتقيتم إلى أوج السعادة.

فأما ما تراه في المنظر الخامس من السفن الجاريات في البحر كالأعلام، وما فيهن من الأدوات التي تتحرك بالكهرباء والبخار، وما عليهن من الشرع المنتفخة بالرياح الهابات، فلتعلم أن المال والجاه والملك والولد وسائر ما تملكونه من أعراض الدنيا وكذا العلوم والمعارف من الحساب والهندسة والطب والآداب والموسيقى والشعر والتصوير وغيرها كالتجارة والزراعة وسائر الصناعات، منزلتها منزلة هذه الشرع المزجية لهذه السفن الجاريات الممثلات لأجسامكم.

إنكم يا أهل الأرض لم ترضوا بالرياح الهابة أن تتحكم في سفنكم بل عمدتم إلى الماء فأسخنتموه وإلى بخاره فأثرتموه، وهكذا مزجتم العناصر واستخرجتم منها الكهرباء فجرت السفائن بأمركم، وسارت بتقديركم.

فما أحراكم ألا تقفوا عند المال، ولا تشغلوا بالعرض عن الجوهر، وأن تعمدوا إلى الفضيلة والحكمة حتى تنفتح أعين بصائركم، وتشرق الحكمة من قلوبكم، حتى إذا عصفت عواصف الحدثان، وتقلب الجديدان، وذهب الأطيبان، وتألبت المؤتفكات، رجعتم إلى قلوبكم، ونلتم سعادتكم، كما سيرتم السفن بأمثال هذه الصنائع.

فقلت: إذن لا قيمة للمال، ولا فضيلة في العلوم، ولا خير في البنين والأصحاب؟ فقال: يا هذا، كل ما ذكرته عون على السعادة عند ذي الفضيلة، فمن حرم الفضيلة كانت كل هذه وبالا عليه، ومن حازها كانت مددا لسعادته، وزيادة في جماله وبهجته؛ فالجاهل قليل الثمرات. والفقير عديم المبرات. املأ القلب والعقل علما، واليد مالا، واستعن بالأصحاب وكن كما تشاء في الدنيا، على شريطة أن تتم حكمتك، وتبقى عفتك، وتظهر شجاعتك، فالمال والعلوم والجاه والولد، تصلح لخيرك وشرك، ونفعك وضرك، وكما يحزن العنين لحرمان الولدان، يشقى الوالد بابنه الكسلان.

وكما ترى في الجهلاء من هم لإخوانهم خادعون، ولأوطانهم خائنون، فهكذا ترى في الشعراء والأدباء والعلماء من ينافقون، ويمكرون، ويخادعون إخوانهم وهم في الشقاء خالدون، وكما ترى الصعلوك يحزن لذلته، ويشقى لرثاثة حالته، كذلك ترى الملوك والأمراء في شقاء دائم، فإذا اتسمت نفسك بالفضيلة فالمال والجاه والعلوم بها أولى لتكون شجرة جميلة الأزهار غزيرة الأثمار نضرة الجمال.

अज्ञात पृष्ठ