मेरे कागज़... मेरा जीवन (भाग एक)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
शैलियों
جلست على الرصيف، اضطر أبي إلى استئجار «تاكسي» بدل الترام.
تأخرت عن المدرسة أسبوعا، الطبيب أعطاني بعض الأقراص أصابتني بأوجاع أكثر.
أراد أبي يأخذني معه إلى منوف، سمعة كلمة «منوف» فنهضت من الفراش واقفة منتصبة فوق قدمي، أثبت لأبي أنني قادرة على المشي، قادرة على الذهاب إلى المدرسة.
لا أريد أن أغيب يوما واحدا ... أسافر إلى منوف؟ سأغيب شهرا على الأقل، سأغيب العمر كله، سيبدأ الحصار من جديد في منوف، سيظهر عريس جديد، مؤامرة جديدة نحو المصير المحتوم على البنات.
تشبثت بالبقاء في بيت عمي حتى آخر العام الدراسي، أراد أبي أن ينقلني إلى بيت جدي تحت رعاية طنط فهيمة: مش معقول يا سيد بيه الولد والبنت يعيشوا في أوضة بالشكل ده، أنا مستعدة آخدهم معايا يعيشوا في بيت جدتهم تحت رعايتي.
نجحت وانتقلت إلى الثالثة الثانوية، أخي لم ينجح، اضطر أن يعيد السنة، أصبحنا في بيت جدي الڤيللا الكبيرة المحاطة بالحديقة في شارع الزيتون، جدي مات منذ عامين، أصابه التهاب رئوي، قضى سهرة حمراء في إحدى ليالي الشتاء، عاد إلى البيت يرتجف بالحمى، لم يكن دواء البنسلين موجودا في مصر، قرأت طنط فهيمة في الصحف عن البنسلين أنه اكتشف من مادة العفن، أصبحت آكل الخبز المعفن. آلام الظهر بدأت تخف، مات جدي بعد أسبوع من السهرة، كان يعالج الحمى بالخمر، يهذي بعبارة: «داوني بالتي كانت هي الداء.» بعد موته تنفست جدتي آمنة الصعداء، فتحت فمها المغلق وملأت صدرها بالهواء، الهواء كان محملا بجرثومة مجهولة أصابتها في حلقها، سخرية القضاء والقدر، بدأت جدتي آمنة تنطق بعد صمت السنين، نطقت فانسد حلقها بالورم الخبيث.
لا يستطيع أحد نطق كلمة «السرطان»، كلمة الموت أسهل على اللسان، يسمونه «المرض إياه»، هذا الاسم لم تسمعه جدتي آمنة، قالوا لها: «الإنفلونزا» في الحلق، والتهاب اللوز، بقيت في فراشها عاما، تراكم الألم في جسدها مع الحزن. الطبيب «أخصائي الأورام الخبيثة» رشق في عنقها «إبرة الراديوم»، أصبح عنقها مخروما بالإبرة ملفوفا بالشاش، رأسها عاجز عن الحركة، عيناها الرماديتان تدوران حولها مملوءتين بالألم المشلول، إصبعها الشاحب بلون الضباب يشير إلى موضع الإبر في عنقها، إصبع ضبابي يشير إلى كتلة ضبابية من الشاش، ماذا في عنقها؟! لا تستطيع أن تسأل، عيناها تتعلقان بالسقف، تخرقان الجدار، تنفذان إلى السماء، تسألان الله: ليه يا رب؟
أنفاسها في الليل لم أسمعها بأذني، كنت في بيت عمي، طنط نعمات كانت تصحو على صوت هامس ينادي في الليل: يا رب! أهو صوتها أو صوت أمها في الغرفة المجاورة: ليه يا رب الظلم ده؟ أنا عملت إيه؟! تورمت عين طنط نعمات من البكاء والنداء للرب في الليل، في النهار تحبس الدموع، تتراكم الدموع في حلقها كالغصة، الورم الخبيث! أهو كيس مملوء بالدموع؟!
قضيت عام 1945م في بيت جدي، أصبح اسمه المرحوم، جدتي آمنة أصبح اسمها المرحومة، أصبحت في الثالثة ثانوي، أنام في السرير العريض بجوار طنط فهيمة، أخي طلعت له غرفة مستقلة بجوار غرفة خالي زكريا، طنط نعمات لها غرفة مستقلة، غرفات أخرى في البيت، طنط فهيمة أصبحت ناظرة لإحدى مدارس البنات. لم تشأ أن تكون غرفتي وحدي، تحكم رقابتها على نومي وأحلامي، الرعاية هي الرقابة! تحمل سلسلة من المفاتيح كالسجانة، مفتاح لغرفة مكتب المرحوم، مفتاح لغرفة المرحومة، مفتاح لغرفة «الكرار» تخزن المؤن، مفتاح لغرفة «الدادة» الخادمة الصغيرة الشبيهة بسعدية، مفتاح لغرفة المخزن في الحديقة جمعت فيها الصور ذات الإطارات الذهبية، مفتاح الدولاب الكبير؛ حيث التحف الثمينة والأوراق والوثائق الهامة، ورقة قديمة باهتة بخط الخديو إسماعيل، عثرت عليها طنط فهيمة في مكتب المرحوم، تخرجها أمام الضيوف، تحملق فيها بعينيها الجاحظتين من وراء العدسات السميكة شامخة بأنفها: الخديو إسماعيل أخذ العزبة بتاعة المرحوم جدي، كان لازم يدفع ثمنها، مات من غير ما يدفع حاجة، لازم أطالب بحقنا من الحكومة.
خالي زكريا طالب في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة)، عيناه تلمعان بالأمل، العزبة سوف تعود، أيام العز والرفاهية، مثل أخي طلعت يكره الدراسة والقراءة، يفضل الذهاب إلى السينما والمسرح وسباق الخيل.
अज्ञात पृष्ठ