मेरे कागज़... मेरा जीवन (भाग एक)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
शैलियों
أخي من النوع الكتوم، لا يبوح بأسراره لأحد، يغلق على نفسه باب غرفته، يفتح نافذته المطلة على الطرمبة، يرمق البنات وهن يملأن الجرار، في يوم رأيت واحدة منهن تتشعبط فوق الجدار، تمسك بقضبان النافذة وتأخذ منه شيئا، ماذا كان أخي يعطي البنات؟ في يوم رأيته يعلق شرائط سوداء فوق نافذته، تصورت أن واحدة من صديقاته ماتت، كانت أمي تقول له: باين عليك ورثت خالك يحيى في الجري ورا البنات.
قبل أن تنام كانت أمي تغلق الباب على الخادمة سعدية حتى لا يدخل إليها أخي في الليل، في الإجازة الصيفية اشتركت مع أخي في هواية جديدة، هي نشر الخشب الأبلاكاش، قضينا شهور الصيف ننشر الخشب بمنشار طويل رفيع، صنعنا من الخشب أشكالا كثيرة من الطيور والحيوانات والناس، صنعنا سيركا فيه أسد ونمر وفيلة وخيول، جعلنا الراقصة رشيقة واقفة على إصبع قدم واحد، صنعنا رجلا يشبه إسماعيل أفندي في يده عصا من الخيزران، ومس هيمر بحذائها ذي الكعب السميك، وطنط نعمات، وعمتي رقية، وأم محمد، والحاج محمود فوق حمارته.
أقمنا معرضا كبيرا في البدروم، وضعنا التماثيل الخشبية منتصبة فوق قواعدها، دعونا أبي وأمي لافتتاح المعرض، مضى على هذا اليوم ثلاثة وخمسون عاما، الصورة محفورة في ذاكرتي، هبط أبي وأمي فوق السلالم على نغمات اللحن الافتتاحي، عزفه أخي على العود، قص أبي الشريط، ورفعنا الستار، ملاءة كبيرة بيضاء، جلست أمي إلى جوار أبي في الصف الأول، جلس الإخوة والأخوات وجمهور صغير من الأقارب والجيران، زملاؤنا وزميلاتنا في المدرسة.
أمسك في يدي عصا خشبية رفيعة، أحركها في الهواء على نغمات العود، أنا «المايسترو»، بطرف العصا أشير إلى الشخصيات الخشبية، أحكي عنهم قصصا من تأليفي، رأيت العيون مشدودة إلى حركة يدي، الحياة تدب في التماثيل لمجرد لمسة من طرف العصا، أشخاص حقيقيون يلعبون أدوارهم في قصص حقيقية، الحمام الزاجل يتكلم بلغة الناس، حمارة الحاج محمود أيضا نطقت وبدأت تغني مع اللحن الذي يعزفه أخي على العود: الصبح بدري أشيل فوق ضهري القماش ... - توب فوق توب فوق توب ... - يدلدل رجليه ... - أدور بيه في الحواري طول اليوم ... - آخر النهار نرجع ... - أنا ماشية وهو راكب ... - معلهش يا عزيزة! شيه! شيه!
يغني أخي طلعت معي المقطع الأخير، نردد معا مع دقات العود الراقصة: معلهش يا عزيزة! شيه! شيه! - شيه! شيه! - شيه! شيه!
المدعوون يدقون الأرض بأقدامهم ويغنون معنا، الحمام الزاجل انطلق في الهواء يتراقص مع اللحن، تتدلى من ساق الحمامة رسالة حب بيضاء ترفرف في الجو مثل العلم.
الأسد والنمر والفيلة والخيول ترقص هي الأخرى فوق قواعدها الخشبية، راقصة السيرك تقفز في الهواء، إسماعيل أفندي يضربها على ردفها بالعصا وطربوشه يقع، مس هيمر تدب بكعب حذائها على الأرض، طنط نعمات تمط الحلاوة وتنزع الشعر عن ساقيها، عمتي رقية ترقص في الزار وتنكش شعرها، «أم محمد» تهش البنات عن الطرمبة وتقول: بنات فاجرة آخر الزمن!
في نهاية العرض عزف أخي اللحن الختامي، سمعنا التصفيق يدوي في البدروم، أبي وأمي واقفان في الصف الأول يصفقان، عيونهما تلمع، تقدم أبي نحو أخي وصافحه لأول مرة في حياته، يضحك ويقول له: إذا فشلت في الدراسة اشتغل مزيكاتي زي عبد الوهاب، صافحني أبي أيضا لأول مرة في حياتي، وقال: خيالك واسع في حكاية القصص، أمي تضحك وتقول: إذا فصلوا أبوكم من الحكومة نعمل فرقة في المسرح زي بتاعة الريحاني.
بدأت أثق في خيالي وقدراتي على حكاية القصص، أصبح البدروم هو أجمل بقعة في الكون، كل شيء فيه يتراقص، حتى العنكبوت في السقف يرقص داخل خيوطه الرفيعة، بيديه ورجليه يصفق، للتصفيق في أذني دوي، حركة اليدين وهما تصفقان، أيدي أبي وأمي، عيونهما تلمع بالدموع، في أعماقي طاقة محبوسة تود الانطلاق، لا أعرف كيف. •••
الطاقة الحبيسة في جسدي أحسها تحت القلب مباشرة، في الخندق العميق تحت الضلوع، ما هي؟ الفرح، الحزن، الغضب، الحلم بالحرية والطيران خارج جدران المطبخ والبيت والمدرسة؟ إلى أين؟
अज्ञात पृष्ठ