मेरे कागज़... मेरा जीवन (भाग एक)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
शैलियों
كنت أصدق ما يقوله أبي، في الشرفة البحرية في الإسكندرية يجلس ونحن الأطفال حوله، ينظر إلى أخي «طلعت» وهو يتحدث، يخصه بالحديث، لم يكن يتجه نحوي إلا حين يشعر بالعطش، أو يجف حلقه: هاتي كباية مية يا نوال.
وحين تنهض أمي لإعداد مائدة العشاء: قومي ساعدي مامتك يا نوال.
لم أكن أنهض من مكاني، أود الاستماع إلى حكاياته، خاصة حكاية سعد زغلول وثورة 1919م. شارك فيها أبي، كان شابا في العشرين من عمره، طالبا في كلية دار العلوم بالقاهرة، خرج مع الطلاب يهتف ضد الإنجليز، يلقي عليهم الطوب والحجارة، ثم بدأ الرصاص يتطاير في الجو، أصابته شظية في قدمه، حمله زملاؤه إلى نقطة إسعاف، عاد إلى كفر طحلة فوق عربة كارو تجرها حمارة، استقبلته أمه ومن خلفها النساء بالزغاريد، أصبح في نظر أهل القرية بطلا مثل سعد زغلول.
كلمة «بطل» ينطقها أبي، عيناه تلمعان بالبريق، منذ الطفولة يحلم بأنه يحمل سيفا يضرب به الأعداء، يحرر الوطن. يسمع أمه تغني مع نساء القرية: يا عزيز يا عزيز، كبة تأخذ الإنجليز، كانت طفلة في الثانية حين دخل الإنجليز مصر عام 1882م.
يحكي أبي عن جدته الغزاوية، ماتت قبل أن يولد، سمع حكاياتها من أمه ونساء القرية، كانت طويلة فارعة القامة، تخرج من الفجر، فأسها على كتفها، وتعود عند الغروب، لم تكن أجيرة لأحد، تملك قطعة أرض صغيرة ورثتها عن أمها، لم يرها أحد راقدة في الدار، تلد طفلها وهي تعمل في الحقل، تحمله في القفة وتعود إلى الدار، حين دخل الإنجليز إلى مصر تجمع أهل القرية، الرجال والنساء ، ومنهم الغزاوية، حاملين الفئوس مستعدين للقتال حتى الموت، حياتهم كان أشبه بالموت .
يحكي أبي عن: حادث دنشواي، ثورة عرابي، قبل الاحتلال البريطاني، الخديو والملك فؤاد، أول دستور مصري عام 1923م، أول انتخابات عام 1924م، أصبح سعد زغلول رئيسا للوزارة، خلفه النحاس، ثم جاء إسماعيل صدقي عام 1930م، اشتد الجوع بالفلاحين والعمال، بدأت المظاهرات والإضرابات، آخر إضراب قام به عمال السكة الحديد، أعلن إسماعيل صدقي الأحكام العرفية وأمر الجيش بإطلاق الرصاص على العمال، عاد حزب الوفد إلى الحكم، أصبح النحاس رئيسا للوزارة، ودخل في مفاوضات مع الإنجليز، وقع معاهدة 1936م، والمظاهرات والإضرابات لم تكن تكف.
كان يزورنا في الإسكندرية أقارب أبي من الفلاحين، بعضهم هجر القرية من شدة الجوع، أصبحوا عمالا في شركة النسيج بالمحلة الكبرى، في مصانع شبرا الخيمة في القاهرة، وفي شركة الترامواي بالإسكندرية، يتقاضى الواحد في اليوم ثلاثة قروش، يشاركون في الإضرابات مطالبين برفع الأجور، ويهتفون مع الطلبة ضد الحكومة والإنجليز.
في إحدى المظاهرات تجمع طلبة مدرسة العباسية الثانوية في الفناء الواسع، يرددون الهتافات ضد الحكومة، خرج الناظر إلى التلاميذ، هزءوا به هاتفين: يسقط الناظر، عاد إلى مكتبه عقد اجتماعا عاجلا للمدرسين، قال الناظر لأبي: يا سيد أفندي، أنت محبوب من الطلبة، ممكن يسمعوا كلامك ونخلص من الشغب ده. - يا حضرة الناظر، دي مظاهرة وطنية مش شغب. - يا سيد أفندي، لازم الطلبة يرجعوا الفصول. - يا حضرة الناظر، البلد كلها خرجت مظاهرات، حتى العمال والفلاحين، ليه نمنع الطلبة؟ - يا سيد أفندي، ده مش وقت نقاش، لازم تخرج حالا للطلبة في الحوش وترجعهم الفصول.
أطاع أبي الناظر وخرج إلى الطلاب في فناء المدرسة، أحاطوا به يهتفون: يحيا السعداوي، حملوه فوق الأعناق، خرجوا إلى الشارع، وجد نفسه يهتف معهم: يسقط الإنجليز، تسقط الحكومة، تحيا مصر حرة!
وعمل إيه الناظر يا بابا؟ نسأله نحن الأطفال في نفس واحد، وأنفاسنا تلهث، الضربات تحت ضلوعنا تصعد وتهبط.
अज्ञात पृष्ठ