मेरे कागज़... मेरा जीवन (भाग एक)

नवाल सआदावी d. 1442 AH
166

मेरे कागज़... मेरा जीवन (भाग एक)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

शैलियों

بعد دقائق كنت أجتاز الحديقة الصغيرة والمزرعة، جسمي الطويل النحيف يندفع داخل المعطف الأبيض، في يدي كشاف نور على شكل مسدس، أشق به الظلمة، على باب غرفة الكشف رأيت القبيلة من آل أبو هشام، الأم داخل جلبابها الأسود الطويل، رأسها ملفوف بالطرحة السوداء، تمسح عينيها بطرف الطرحة: ربنا يخليكي يا ضكطورة، محمود ابني ماليش غيره هو الوحيد على ست بنات، إلهي ربنا يحط في إيدك البركة، إلى جوارها يقف الأب حسنين داخل قفطان طويل وعمامة كبيرة حول رأسه، من حولهما حشد من العائلة الكبيرة الممدودة من كفر طحلة، يتطلعون نحوي في رهبة كأنما أنا الإله الشافي.

بعد الفحص الطبي أصبحت داخل غرفة العمليات، داخل المريلة المعقمة الطويلة، وجهي اختفى وراء القناع من الشاش، شعرت بالراحة لهذا الاختفاء، في أعماقي شيء من التردد، في الطب لا يكون التشخيص أبدا مائة في المائة، ليس عندي جهاز أشعة، وسائل التشخيص الحديثة غير موجودة، أعتمد فقط على أصابعي، وحواسي الخمس، وحاستي السادسة، مع خيالي الفني، في كلية الطب لم نتعلم الجراحة، في سنة الامتياز دربت نفسي على بعض الجراحات الصغيرة، اختلست من وراء الأستاذ أو النائب عملية فتاق أو إجهاض أو عملية لوز أو مصران أعور في أحسن الحالات، كان المشرط يثبت في يدي دون رعشة، تعودت الإمساك به في سنوات المشرحة، فتح بطن الميت ليس مثل فتح الإنسان الحي، الأحشاء الميتة خالية من الدم مملوءة بالفورمالين، فاقدة الحركة، كنت أقطع فيها بالمشرط دون وجل، وأغور في بطن الجثة الميتة دون أن يهتز لي جفن.

أول مرة فتحت بطن إنسان حي أصابتني الرجفة، لأول مرة تلمس أصابعي الأحشاء المتحركة النابضة بالحياة، الاهتزازة من طرف المشرط تجعل الدم كالنافورة الحمراء، كالموجات الكهربية الصاعقة، لا أعرف من أين تتفجر ومتى تتوقف، لها سرعة أشد من الضوء، وأشد من الأحمر القاني.

أنفاسي كانت تلهث أمام حركة الدم في الجسد الحي، كأنما للدم حياة خاصة مستقلة عن الجسد، مادة أخرى غير جسدية، أشبه بالروح السائلة المتدفقة دون توقف، أمد يدي إليها أمسكها، أوقفها، أسدها عند الفوهة، أقاومها بكل قوتي، وهي تقاومني، صراع بيني وبين هذا الخرطوم المنطلق في وجهي مثل لسان اللهب.

كان الدم هو الروح المقدس عن المصريين القدماء، الحياة سرها يكمن في الدم، هكذا قال أبو قراط، جسد الإنسان يتكون من الدم أساسا، وعناصر أخرى ثانوية كالماء والصفراء والملح، إذا مرض الدم مرض الجسد كله، إذا مات الدم مات الإنسان. - عرق!

إنه صوتي يرن في غرفة العمليات، يشبه صوت أستاذ الجراحة في الكلية، كان اسمه الدكتور أحمد أبو ذكري، تبرز قطرات العرق فوق جبهته العريضة، يرفع وجهه من فوق البطن المفتوح الغارق في الدم، تمتد يد الحكيمة الممسكة بقطعة من الشاش، تمسح عن جبينه العرق قبل أن يتساقط في الجرح. - عرق!

انتفضت الحكيمة زينات الواقفة إلى جواري، أمسكت قطعة من الشاش المعقم، مسحت العرق عن جبهتي، لم تكن لحسن الحظ تسمع الدقات المتصاعدة تحت ضلوعي، كأنما البطن المفتوح أمامي هو بطني أنا، وهذا الدم المراق تحت يدي هو دمي، وهذه الأمعاء التي تنقبض وتنبسط هي أمعائي.

هل كان المصران الغليظ محشوا بالفطير المشلتت والبطة المحشية بالفريك؟! أطعمت الأم ابنها محمود حتى لكمته، كان في زيارة للقرية في إجازة العيد، هو طالب في الأزهر بالقاهرة، عمره عشرون عاما، الوحيد على نصف دستة من البنات، أرقب البالونة في جهاز التخدير، تنقبض وتنبسط مع حركة الرئتين والقلب، أقلد حركة الدكتور أحمد أبو ذكري، أشمخ بأنفي العالي المطل من فوق القناع. - عرق!

صوتي العالي يزعق مع أنفي الشامخ، لا شيء يخفي الرعب إلا الصوت الزاعق والأنف الشامخ، أيمكن أن تتوقف هذه البالونة عن الحركة؟! لماذا لم أرسله مع أمه إلى مستشفى بنها المركزي؟ لم يكن في الوحدة سيارة للإسعاف، لا شيء يمكن أن يركبه إلا الحمارة أو الدراجة بدون فرامل، قديمة صدئة يملكها طباخ الوحدة، كنت أستعيرها منه أحيانا لإسعاف الحالات الطارئة في البيوت، أرسلت إلى المجلس الأعلى في القاهرة أطلب سيارة ، لم يرد المجلس الأعلى، أرسل إلي بعد عام كامل سيارة قديمة على شكل «البوكس»، تمشي يوما وتتعطل شهرا، أصبحت الحمارة تجر السيارة، أمام القصر الفاخر في شارع قصر العيني كنت أرى السيارات الفاخرة الطويلة، يركبها كبار الموظفين في المجلس الأعلى، لكل واحد منهم سيارة أو سيارتان، واحدة للعمل العام والثانية للعمل الخاص. - عرق!

البالونة لا تزال تتحرك والحمد لله، تذكرت الله في هذه اللحظة: يا رب أنقذ محمود من الموت، أنت يا رب الذي تحيي وتميت، كل شيء بإرادتك، لماذا أتدخل في إرادتك العليا وأنقذه من الموت؟ كان يمكن أن أرسله إلى مستشفى بنها على ظهر الحمارة؟ إذا مات في الطريق فهي مسئولية وخلعتها على الله.

अज्ञात पृष्ठ