मेरे कागज़... मेरा जीवन (भाग एक)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
शैलियों
كان عم عثمان يغلق الصناديق بالمفاتيح كأنما تحتوي كنوز الأرض، يقف أمامها منتفخ الأوداج كأنما هو سيدنا رضوان يحرس باب الجنة! لم يكن يبتسم إلا في وجوه الطلبة الأثرياء، ينفحه الواحد منهم ثلاثة جنيهات ثمن الجثة الواحدة، كان يسرق الجثث بالاتفاق مع الحانوتي، يشتري الثلاثة بخمسين قرشا، وفي الليل يتسلل إلى القبور يجمع عظام الموتى ثم يبيعها قطعة قطعة.
في الفناء أراه واقفا في الصباح الباكر داخل معطفه الأبيض المبقع بالفورمالين، أذناه منتصبتان تلتقطان أصوات النسوة يولولن وراء النعش الخارج من المستشفى، الجسد الميت لم يبرد بعد داخل التابوت الخشبي، يمشي عم عثمان في الجنازة حتى القبر، وأصبح يمتلك من الأموال والعمارات أكثر من الدكتور مورو باشا عميد الكلية، هكذا كان الطلبة يقولون.
حين أعود من المشرحة إلى البيت تصرخ أمي من الفزع كأنما أجلب في حقيبتي عفاريت الموت، تجعلني أخلع حقيبتي وحذائي خارج الباب، ملابسي كلها مع المعطف الأبيض مع أدوات التشريح تضعهما في الماء يغلي فوق النار.
في الأيام الأولى للمشرحة أصابتني الرجفة وأنا أقطع بالمشرط في اللحم الآدمي، توقفت عن أكل اللحوم بكل أنواعها، ما تقع عيني على قطعة لحم في سلطانية الشوربة حتى يصيبني الغثيان، كأنما هي ساق الميت تسبح داخل سائل الفورمالين.
كانت أمي تجهز لي وجبة غداء في علبة صغيرة أضعها في حقيبتي، ساندويتش من اللحم أو البيض لإمدادي بالبروتينات ... بعض الخضروات والفاكهة الغنية بالفيتامينات، كنت ألقي هذه العلبة بكل ما فيها إلى صفيحة القمامة، أقضي النهار كله في الكلية دون أن آكل شيئا، أشرب كوب الشاي بالنعناع أو الليمون، يعده لي «عم محمد» في غرفة الطالبات.
كنت أندهش حين أرى الطلبة «السينيور» يمسكون المشرط بيد، وفي اليد الأخرى ساندويتش يأكلون ويشرحون في الوقت ذاته، ثم راحت الدهشة وأصبح «الجينيور» يقلدون «السينيور». رأيت الزميلات يأكلن وهن يجلسن حول المنضدة من فوقها الجثة، وفي غرفة الطالبات أصبحت ألتهم ساندويتش اللحم الذي أعدته أمي، عادت لذة الأكل إلى ما كانت عليه، عادت أشد مما كانت، الشهية للحياة تشتد بجوار الموت كالضوء يتألق أكثر بجوار الظلمة.
أحد أساتذة الكلية كان قريبا لزميلتي بطة، من عائلة أمها أو أبيها، لم يكن «عم عثمان» يمنع عنها شيئا من الكنوز داخل الصناديق، أعطاها هيكلا عظميا كاملا بنصف الثمن، كانت تسكن في منزل دورين في أول شارع الهرم، في الدور السفلي نصبت أمها الهيكل العظمي فوق قوائم خشبية، كانت بطة تدعوني إلى بيتها لتراجع الدروس؛ فهي تشتري كل ما هو مطلوب من كتب أو جثث.
لم يكن في مقدوري أن أشتري من عم عثمان إلا بعض عظام اليدين والقدمين، مرتب أبي في الحكومة لم يكن صغيرا، لكنه ينفق على تسعة من الأولاد والبنات في المدارس، كان يمتلك قطعة أرض صغيرة في كفر طحلة، يبيعها جزءا جزءا لتسديد الديون، مصاريف كلية الطب كانت أغلى من غيرها، وثمن الكتب كان مرتفعا، الأسعار كلها تتضاعف مع ازدياد الغلاء. تأخرت في دفع المصاريف في السنة الإعدادي، في سنة أولى مشرحة تأخرت أيضا في الدفع، وصل إلى أبي خطاب من الكلية تطالبه بالدفع وإلا فسوف تضطر الكلية لفصل الطالبة كريمتكم.
ثم جاء اليوم الذي ناولني فيه أبي المظروف داخله القسط الأول من المصاريف، لمحت رعشة صغيرة في يده وهو يناولني المظروف، يقتطع من طعام إخوتي الصغار ليدفع ثمن تعليمي، يخرج في الصباح الباكر كل يوم، يشقى في العمل طوال النهار، يعود إلى البيت مرهقا منهوك القوى، أول كل شهر يناول أمي المرتب كله، تسدد ديون البقال والجزار والفكهاني والخضري والمخبز والصيدلية ولا يبقى إلا القليل، نعيش نصف أيام الشهر على ما تسميه أمي الشكك، نوتة صغيرة تدون فيها الديون يوما بيوم.
أول كل يوم تناولني أمي مصروفي لركوب الأتوبيس أو الترام إلى الكلية، كنت أمشي على قدمي وأعيد إليها المصروف، أو أدخره لأشتري بعض الكتب، أو بعض المفاصل أو العظام من عم عثمان.
अज्ञात पृष्ठ