मेरे कागज़... मेरा जीवन (भाग एक)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
शैलियों
أصبح لبطة الكثير من المعجبين، تقلدها الزميلات في تكحيل العين والتايير الضيق الأنيق، حتى «سامية» التي كانت في مدرسة حلوان شاحبة الوجه والشفتين أصبحت تلون وجهها وتكحل عينيها، قد تلوي قدميها فوق الكعب العالي أو يلتوي لسانها فتقول «بكغة» بدل «بكرة».
كان لبطة أيضا عم أو خال يحمل لقب «الباشا»، ومنصب في السراي، قد تظهر صورته في الصحف فتشمخ بأنفها المربع في السماء كأنما هي بنت الملك.
كانت الجامعة في تلك الفترة تموج بالمظاهرات الوطنية، داس الطلاب على صورة الملك، يخفق قلبي بالفرح حين أدخل من باب الجامعة فأرى الطلبة مجتمعين في الفناء، والهتاف يدوي: يسقط الإنجليز، يسقط الملك، أستعيد أحلام طفولتي عن سقوط النظام أو تغيير العالم.
لم تكن الطالبات يخرجن في المظاهرات إلا القليلات من كلية الآداب أو غيرها من الكليات النظرية، طالبات الطب والعلوم وطلبة الكليات العلمية كانوا أكثر اهتماما بالدراسة عن السياسة. «السياسة دي تهريج وكلام فارغ للطلبة الفاضيين في الآداب والحقوق.» كنت أسمع هذه العبارة تتردد على ألسنة أساتذة الطب والعلوم، لكن أبي كان يهتم بالسياسة، يقرأ صحف الحكومة والأحزاب المعارضة، لا يكف عن الحديث عن فساد الملك والحكم، عن الاحتلال الإنجليزي والاستعمار، «خير بلدنا رايح للأجانب وشوية الحرامية اللي ماسكين الحكم.» كان يسمي مصر مجتمع ال 2٪ يملكون كل شيء، وبقية الشعب يعاني الفقر والمرض والجهل ، والثالوث المزمن إياه يا نوال ليس له حل إلا تغيير النظام، وكيف يتغير النظام؟ الشعب اللي نايم ده لازم يصحى ويقوم ويثور يا نوال، كلمات أبي تجعل الضربات تحت ضلوعي تتصاعد، أحس بالدم يغلي في عروقي، فوران من الغضب المتراكم في صدري منذ الطفولة، ألست واحدة من هذا الشعب الذي يجب أن ينهض ويثور؟! في المظاهرات أجدني وسط الطلبة أهتف معهم بسقوط النظام، أدوس بقدمي على صورة الملك والباشوات والإنجليز، في عام 1948م عرفت عدوا اسمه دولة إسرائيل، وقضية وطنية جديدة اسمها تحرير فلسطين.
كانت السياسة عالما غامضا، لا أعرف عنه إلا القليل، أشارك في المظاهرات الطلابية باندفاعة حب الوطن، أعود إلى البيت منكوشة الشعر مبحوحة الصوت، أصابتني طوبة في الرأس كادت تقلع عيني اليسرى في إحدى المظاهرات.
بدأت أمي تحذرني: «بلاش تمشي في المظاهرات يا نوال، خطر عليكي.» أبي أيضا بدأ يحذرني ويتراجع عن أقواله السابقة: «مظاهرات إيه وكلام فارغ إيه، خليكي في الطب يا نوال، الدراسة عاوزة تفرغ كامل.»
إلا أن أبي لم يكف عن قراءة الصحف، في الصباح أو المساء، أراه جالسا في الصالة أو الفرندة يرشف القهوة مع دخان السيجارة مع الأخبار المنشورة في الصفحة الأولى من جريدة الأهرام، أمي إلى جواره ترشف قهوتها، تميل بنصفها الأعلى ناحيته، تلتقط بعينيها العناوين: حل جماعة الإخوان المسلمين ... مصرع النقراشي باشا، مصرع حسن البنا، صورة الملك فاروق داخل برواز كبير، فوق شغاف قلوب المصريين نقشت صورة صاحب الجلالة المفدى.
هذا الشعب المصري الوفي الأمين يشمله الفرح الكبير في العيد الملكي العظيم، ولا يملأ قلبه لصاحب الجلالة إلا الولاء والطاعة.
من غرفتي وأنا أراجع دروسي أسمع صوت أبي الغاضب: جرايد عاوزة الحرق! ولاء وطاعة إيه، يا صحفيين يا منافقين! الملك خلاص نهايته قربت، كفاية عليه صفقة الأسلحة الفاسدة وانهزام الجيش المصري في فلسطين!
فوق مكتبي كانت الكتب الجديدة وكشاكيل المحاضرات، في درج مكتبي كيس جلدي أسود به أدوات التشريح: مشرط صغير نشرح به الصراصير والضفادع.
अज्ञात पृष्ठ