وأنا لا أعرف الحب إلا أن أفيض من وراء حدودي فأنفذ بروحي إلى جمالك ومعانيك، وأنفذ من معانيك وجمالك إلى كل ما يتلقاني في هذا العالم بجمال أو معنى، فكأنك أنت السر، وكأن جمال الوجود ليس شيئا من ناحيته إلا معرفة أن لكل صورة معناها، فإذا هو جاء من ناحيتك فلكل صورة معناها، ومعنى زائد فيها كما أراها بنظر الحب، وبهذا يرجع العالم، وإنه في نفسي عالم تعبير فتتسع به ذاتي، وتتطور الإنسانية فيها وتدنو من أصلها الإلهي، وأكون قد أحببت والمعنى أني استضأت بالقبس الأزلي الذي أضرم الشمس والكواكب، وأصبح دمي لا يجري بل يشتعل ويتوهج، وعاد قلبي لا ينبض؛ بل يرتج ارتجاج الأفلاك في مداراتها.
وأكون بالحب قد وجدتك، والمعنى أني وجدتني؛ إذ كانت نفسي تنقصها المرآة التي أراها بها رؤية قلب، وأكون قد عشقت، والمعنى أنك أدخلت على قلبي حاسة تشيع السكون كله في أو تشيعني أنا فيه، حتى لا أفرح ولا أحزن إلا بمقدار يملأ الوجود، حين بك وحدك أفرح وأحزن! «لماذا لماذا؟» لأن الحياة في هذه الأرض الثقيلة المستوخمة هي مثلها مادة، مهما تتنوع بقي لها أصلها الجاف الثقيل، كالشجر: مهما يكن عمله من تحويل التراب فيلبس منه الأخضر والأبيض والأحمر وغيرها من الألوان، ويثمر بالحلو والمر، فإن جذوره على ذلك لا تعرف الأخضر ولا الأحمر، وليس لها إلا شيئان، ترابها وعفن الأرض ... فلا بد لهذا المنجم الترابي الإنساني، مما يغلي قيمته ويشعره أن فيه ألماسا أو ذهبا أو فلذة من أفلاذ الجمال كائنة ما كانت، وهنا عمل الحب موضعه سحره فهو يأتي بالمعشوق، ويمكن لمعانيه في القلب، وببضع ابتسامات ولحظات وكلمات وحركات يكشف من قلب العاشق عن كنز عظيم من الأحلام الجميلة التي تخفق بها خوافق السماوات والأرض
5
فإذا القطعة البشرية العادية من النساء والرجال قد تحولت بالحب إلى قطعة فنية نادرة لا نظير لها في جمال الكون، وعلى ما يصف الواصف لا يبلغ ما هي أهله في رأي محبها؛ إذ هي تخلق في نظره ضوءا لها خاصة يرفعها فوق المادة وفوق الحقيقة، فكل ما تبصره العين الإنسانية فإنما تراه للفكر أو للعاطفة وحسب، أما هذه فتراها عين محبها للفكر والعاطفة، ثم للجمال والفن، ثم للشهوات والآمال، فلو أن جنة الله تحيا على الأرض في امرأة ما عدتها.
بل يرى المحب كأن سر الحياة أخذ يتجلى له، ويعمل أعماله على عينه، فكل شيء من الحبيب جديد مع أنه هو هو من قبل، وكل ما يصدر منه ففيه روح وخلق ينبثق لساعته؛ إذ كان سر الحياة هو الذي يتحرك في كل هذا، ويستعلن به للنظر العاشق.
ومن هذا تتغير الطبيعة نفسها في أعين المحبين؛ إذ لا يكونون منها في الحقيقة - بعمل ذلك السر - إلا بإزاء قصة عشق ممثلة في الطبيعة، ولها ممثلون وممثلات من الأنهار والأطيار والأشجار والأزهار والألوان والأصوات والنجوم والشمس والقمر وما في السماء وما في الأرض، على حين ليس في الطبيعة لغير المحبين إلا مناظرها!
ألا أنه بالحب وحده يحيا الإنسان أكثر من حياة إنسان، وتكون الطبيعة أكثر مما هي، ويزيد كل شيء في حس العاشق؛ لأنه هو زاد بحبيبه.
تسألينني «لماذا لماذا» لأنك، لأنك ... يا حبيبتي!؟
كتاب لم تكتبه ...
«وانقطعت كتبها عنه مدة، فرأى أن يجري في طريقه بعض الأساليب السياسية التي تخلق الواقع متى شاءت كما تشاء، فتوهم أنها كتبت إليه كما يجب ... ثم رد على رسالتها». •••
अज्ञात पृष्ठ