وكتب إليها:
1
قرأت كتابك وهو أسطر قليلة، ولكنها إما ساحرة أو مسحورة. فلقد خيل إلي أنها تنتهي، إذ كنت فيها كأني أطارد معنى فارا مذعورا لا تمسكه الألفاظ فلا يبرح فوق السطور، إذا بلغ آخرها وثب إلى أولها فإذا كان في أولها عاد إلى آخرها، دواليك بدءا وعودا
2
ويتلجلج مثل ذلك في صدري فلا ينتهي حتى ينتهي عنه.
تقولين يا حبيبتي: أي شيء عندك هو جديد في؟ ولماذا لا تراني رؤيتك غيري؟ وكيف بعدت في نظرك المسافة بين وجه امرأة ووجه امرأة أخرى؟ وهل في وجوه النساء طريق متشعبة تذهب برجل يمينا وتلتوي بغيره شمالا، وتتوافى إلى غاية وتتفرق عن غاية؟ ثم ما الذي جعلني عندك لغزا لا تفسير له، وجعل النساء من دوني واضحات مفسرات كألفاظ الحياة الجارية في العادة والواقع، المبذولة بمعانيها لمداولة الأخذ والعطاء، على حين تزعم أني كالعبارة العقلية التي يضرب فيها الظن على وجوه شتى، وأني كما تقول: كلمة بسرها؟
لا أكاد أفهم يا صديقي معنى «كلمة بسرها»! ولا معنى قولك الذي قلته لي: إن الحب فيك أنت كعتيق الخمر: يضيف إليها الوقت كل يوم أسرارا وقوى وخيالا وعملا وسطوة ورقة، وأراه في سواك كتعتيق الماء ...
3
لماذا لماذا ليس عندي جواب كلامك وإنما هو عندك، إذ تجاوز قدر معرفتي يا صديقي، فلماذا لماذا؟ ••• «وأما قبل» ... يا صديقي، فلا أزال أقول لك ما قلته: إن من النساء في مقابلة أشعة النفوس معاني؛ فمعنى كحائط، ومعنى كمرآة: وواحدة تمسخ ظلا طامسا أراني فيها تحت الشعاع كأني ظل ممدود على التراب، والأخرى تبرق وتتلألأ، وأراني فيها سويا كاملا كأنما خلقت في ضوئها.
ومن النساء في مقابلة أهواء القلوب معان؛ فمعنى كالقفر، ومعنى كالحديقة، وواحدة يكون وجودها حول فراغها ... والأخرى وجودها القلب فهو حولها. «لماذا لماذا» لأن الإنسان غامض وتفسيره ليس فيه، ولا بد من تفسيره وإلا كان كل شيء عبثا. إن الوجود كله مفسر للطفل تفسيرا صغيرا مثله في حب أمه وحنانها، وقد يكون ثدي الأم مثالا مصغرا من الكون كالمثال المصغر من كرة الأرض في تعليم الجغرافيا، بل الأم تفسير على قدر العقل لرحمة الألوهية نفسها.
अज्ञात पृष्ठ