وقامت فمضت تبتعد حتى صاح بها: هل ترين الوقت مناسبا للدلال؟
ثم تحفز للقيام وهو يصيح: ارجعي لا رجعت إليك الراحة.
وأحد بصره في الظلام حتى رأى شبحها يعود فأسند ظهره إلى جدار الكوخ ورفع رأسه نحو السماء. وود لو يطمئن على بطنها ولكن أبت كبرياؤه. أجل ذلك إلى أجل قريب. ثم مهد له بقوله: اغسلي بعض الخيار للعشاء.
11
مجلس لا يخلو من الراحة. لا نبت فيه ولا ماء، ولا عصافير تزقزق فوق الغصون، لكن أرض الخلاء الجرداء المشاكسة تكتسي في الليل حلة غامضة يخالها الحالم ما يشاء. وفوقه قبة السماء المرصعة بالنجوم والمرأة داخل الكوخ، والوحدة ناطقة، والحزن كالجمر المدفون تحت الرماد. وسور البيت العالي يعاند المشتاق، وهذا الأب الجبار كيف السبيل إلى إسماعه أنيني. ومن الحكمة نسيان الماضي، لكن ليس لنا من زمن غيره، لذلك كرهت ضعفي ولعنت نذالتي ورضيت الشقاء رفيقا وسألد له أبناء. والعصفورة التي لا تصدها قوة عن الحديقة أسعد من أحلامي، وعيناي احترقتا شوقا إلى المياه الجارية بين شجيرات الورد، وأين عبير الحناء والياسمين؟ أين؟ أين خلو البال والناي؟ أين أيها القاسي؟ مضى نصف عام فمتى يذوب ثلج قسوتك؟!
وعن بعد ترامى صوت إدريس مغنيا بصوت كريه: «عجايب والله عجايب». وإذا به يوقد نارا أمام كوخه فاشتعلت كأنها شهاب هوى فانغرس في الأرض، وكانت زوجه تذهب وتجيء ببطنها المتدلي؛ لتقدم طعاما أو شرابا. ولطمته موجة سكر فصاح في السكون موجها الخطاب إلى البيت الكبير: «هذا أوان الملوخية والفراخ المحمرة، اطفحوها سما يا أهل البيت!» ثم عاد إلى الغناء.
وقال أدهم لنفسه متأسفا: «كلما خلوت إلى نفسي في الظلام جاء الشيطان فأشعل ناره وعربد فأفسد علي خلوتي!» وظهرت أميمة عند باب الكوخ فعلم أنها لم تنم على خلاف ظنه. وكانت من الحمل في إعياء، ومن الجهد والفقر على حال لا تسر. وقالت برقة وإشفاق: ألا تنام؟!
فقال في ضجر: دعيني للساعة الوحيدة التي تطيب فيها الحياة! - ستسعى بعربتك مع الصباح الباكر، فما أحوجك إلى الراحة! - في وحدتي أرتد سيدا أو شبه سيد، أتأمل السماء وأتذكر الأيام الخالية.
فتنهدت بصوت مسموع وقالت: أود لو رأيت أباك ذاهبا من البيت أو راجعا إليه أن أرمي بنفسي تحت أقدامه وأن أستغفره.
فقال أدهم في جزع: قلت لك مرارا أن تقلعي عن هذه الأفكار، فليس بهذه الوسيلة يمكن أن نسترد عطفه.
अज्ञात पृष्ठ