فهرع الغلام إلى العربة محاولا دفعها لكن عم زكريا منعه، وقالت زوجة عمه: حاسب أن تنزلق البطاطة فنموت جوعا.
وقبض زكريا على يدي العربة وهو يقول له: سر أمام العربة وناد: «بطاطة العمدة .. بطاطة الفرن». وخذ بالك من كل ما أقول أو أعمل، وستصعد بالبطاطة إلى الزبائن بالأدوار العليا، وعلى العموم فتح عينيك.
فقال قاسم وهو ينظر إلى العربة بحسرة: لكني قادر على دفعها!
وساق الرجل العربة وهو يقول: افعل كما أمرتك ولا تكن عنيدا، كان أبوك ألطف الناس.
انحدرت العربة نحو الجمالية وقاسم يصيح بصوت رفيع كالصفير: «بطاطة العمدة، بطاطة الفرن». لم يكن كمثل فرحه شيء، وهو ينطلق إلى الأحياء الغريبة ويعمل كالرجال. ولما بلغت العربة حارة الوطاويط نظر قاسم فيما حوله وقال لعمه: هنا اعترض إدريس سبيل أدهم!
فهز زكريا رأسه بلا اكتراث، فعاد الغلام يقول ضاحكا: كان أدهم يسوق عربته مثلك يا عمي.
ومضت العربة في تجوالها اليومي، من الحسين إلى بيت القاضي، ومن بيت القاضي إلى الدراسة، وقاسم يتطلع بدهش إلى العابرين والدكاكين والجوامع حتى انتهت إلى ميدان صغير قال العم: إنه سوق المقطم، فتأمله الغلام بإعجاب وقال: أهذا سوق المقطم حقا؟! إلى هنا هرب جبل، وهنا ولد رفاعة.
فقال زكريا بلا حماس: نعم، لا لنا في هذا ولا ذاك!
فقال قاسم: لكننا جميعا أولاد الجبلاوي، فلماذا لا نكون مثلهم؟
ضحك الرجل وقال ساخرا: على الأقل جميعنا في الفقر سواء!
अज्ञात पृष्ठ