ومضى يرص حجرا جديدا وهو يقول: حارة بنت كلب، وحي آل جبل أنجسها، فيهم ظهر أكبر دجال، وينشرون الأخبار الغريبة عن الوقف والشروط العشرة، كأن الواقف جدهم وحدهم؛ وبالأمس جاء دجالهم جبل بكذبة سرق بها الوقف، واليوم يؤول هذا المعتوه كلاما لا يقبل التأويل، وسيزعم أنه سمعه من الجبلاوي نفسه.
فقالت بقلق: إنه لا ينشد سوى تخليص الفقراء من العفاريت.
فشخر الفتوة هازئا ثم تساءل: ومن يدرينا فلعل في الوقف عفريتا!
ثم بصوت ارتفع لدرجة لا تتفق وسرية الاجتماع: الواقف ميت أو في حكم ذلك يا أولاد الكلب.
وانزعجت ياسمينة، خافت أن تفلت الفرصة المتاحة وأن يتعكر الجو، ومدت يدها إلى الفستان لتنزعه رويدا. وانبسطت أسارير الرجل بعد تجهم، ورنا إليها بعينين متوثبتين.
56
بدا الناظر في عباءته ضئيلا. وكان الاهتمام بارزا في وجهه الأبيض المستدير بروز الذبول الذي اعتور جفنيه والشيخوخة المبكرة الواضحة في نظرة عينيه وفي التجاعيد المرسومة تحتهما من أثر التهالك في الشهوات. أما وجه بيومي الممتلئ فلم يش بالارتياح الباطني الذي سرى فيه نتيجة لقلق سيده؛ ذلك القلق الذي يدل على خطورة الأنباء التي نقلها إليه، فيدل بالتالي على خطورة الدور الذي يؤديه للناظر وللوقف. كان يقول للناظر: على رغمي أزعجك بهذه الأخبار، ولكن لم يكن في وسعي أن أتصرف من دون الرجوع إليك في أمر يتعلق بالوقف، ومن ناحية أخرى فهذا المشاغب المعتوه من آل جبل، وعلينا عهد بألا يتعدى أحد منا على أحد منهم إلا بعد إذنك.
وتساءل الناظر إيهاب بوجه مكفهر: وهل زعم حقا أنه اتصل بالواقف؟ - تأكد لدي ذلك من أكثر من مصدر. إن مرضاه يؤمنون بذلك ولو أنهم يتكتمون الأمر بحرص شديد. - لعله مجنون، كما كان جبل دجالا، ولكن هذه الحارة القذرة تحب المجانين والدجالين. ماذا يريد آل جبل بعدما نهبوا الوقف بلا حق؟ لماذا لا يتصل الواقف بأحد غيرهم؟ لماذا لا يتصل بي وأنا أقرب الناس إليه؟ إنه قعيد حجرته، ولا يفتح باب بيته إلا عندما تحمل إليه حوائجه، لا يراه أحد ولا يرى هو إلا جاريته، ولكن ما أيسر أن يقابله آل جبل أو أن يسمعوه!
فقال بيومي بحنق: لن يرتاح لهم بال حتى يستولوا على الوقف كله.
فاصفر وجه الناظر غضبا، وتوثب لإصدار الأوامر، ولكنه تراجع متسائلا: أقال عن الوقف شيئا، أم قصر نشاطه على إخراج العفاريت؟
अज्ञात पृष्ठ