فازدادت يده شدة على منكبه وقال: إنه كلم جبل عن الوقف.
فقال رفاعة وقد أنهكه تحمل الألم: لا يعنيني الوقف في شيء. السعادة التي لم أستطع أن أحققها بعد لأحد شيء غير الوقف، وغير الخمر، وغير الحشيش. قلت ذلك في كل مكان بحي جبل، وسمعني الجميع وأنا أقوله.
فهزه مرة أخرى وقال: كان أبوك عاصيا ثم تاب، احذر أن تعيد سيرته وإلا هرستك كما تهرس البقة!
ودفعه فهوى على ظهره فوق الكنبة، ثم ذهب. وهرعت ياسمينة إليه لتواسيه وتدلك منكبه الذي مال عليه رأسه من الوجع. وبدا في شبه غيبوبة، وغمغم كأنما يحادث نفسه. - إنه صوت جدي الذي سمعته.
ونظرت في وجهه بإشفاق وذعر، وتساءلت: هل ضاع عقله حقا؟! ولم تعد عليه ما قال وساورها قلق لم تشعر به من قبل. ويوما غادر الربع فاعترضت سبيله امرأة من غير آل جبل، وقالت له باستعطاف: صباح الخير يا معلم رفاعة.
ودهش لرنة الاحترام في صوتها وللقب الذي قرنته باسمه فسألها: ماذا تريدين؟
فقالت بضراعة: لي ابن ممسوس أرجو أن تخلصه!
وكان كآل جبل جميعا يحتقر أهل الحارة، فاستنكف أن يضع نفسه في خدمة المرأة فيضاعف من ازدراء آله له، فقال لها: ألا توجد كودية في الحارة؟
فقالت المرأة بصوت باك: بلي ولكني امرأة فقيرة.
ورق لها قلبه كما أسره لجوءها إليه هو الذي لم يلق من آله إلا الهزء والاحتقار. ونظر إليها في تصميم وهو يقول: إني طوع أمرك.
अज्ञात पृष्ठ