فهز رأسه في حيرة متسائلا: وكيف لا تشغل النفس بمثل هذا الجد العزيز؟! - لنفعل مثله، فإنه لا يشغل بنا نفسه.
فرفع رفاعة بصره إلى الصورة ثم قال: لكنه قابل جبل وكلمه. - نعم، ولما مات جبل جاء زنفل ثم خنفس، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا.
فضحك جواد وقال لامرأته: إن الحارة في حاجة إلى من يخلصها من شياطينها كما تخلصين الممسوسين من عفاريتهم.
فابتسم رفاعة وقال: يا عمتي إن العفاريت حقا هم أولئك الناس، لو رأيت كيف كانت مقابلة خنفس لأبي! - لا شأن لي بأولئك، عفاريتي الآخرون يذعنون لي كما كانت الثعابين تذعن لجبل، وعندي لهم جميع ما يحبون من بخور سوداني وتعاويذ حبشية وأغان سلطانية.
فسألها رفاعة باهتمام: ومن أين أتتك هذه القدرة على العفاريت؟
فحدجته بنظرة حذرة وقالت: هي حرفتي كما أن النجارة حرفة أبيك، جاءتني من وهاب المنن!
فأفرغ رفاعة ثمالة الفنجان في فيه وهم بالكلام، غير أن صوت عم شافعي تصاعد من الحارة صائحا: يا رفاعة، يا ولد يا كسول.
فقام رفاعة إلى النافذة ففتحها وأطل منها حتى التقت عيناه بعيني أبيه وهتف: أمهلني نصف ساعة يا أبي.
فرفع الرجل منكبيه فيما يشبه اليأس ورجع إلى دكانه. وعندما أخذ رفاعة يغلق النافذة رأى عيشة في موقفها بالنافذة كما رآها أول مرة، ترنو إليه باهتمام، خيل إليه أنها ابتسمت، أو أن عينيها تكلمتا، وتردد لحظة، لكنه أغلق النافذة وعاد إلى مجلسه. وإذا بجواد يضحك قائلا: أبوك يريد لك النجارة، ولكن فيم ترغب أنت؟
فتفكر رفاعة مليا ثم قال: علي أن أكون نجارا كأبي، ولكني أحب الحكايات، وهذه الأسرار حول العفاريت، فحدثيني عنها يا عمتي.
अज्ञात पृष्ठ