अवहाम अल-अक्ल
أوهام العقل: قراءة في «الأورجانون الجديد» لفرانسيس بيكون
शैलियों
idola fori ، بالنظر إلى ما يجري بين الناس هناك من تبادل واجتماع؛ فالناس إنما تتحادث عن طريق القول، والكلمات يتم اختيارها بما يلائم فهم العامة، وهكذا تنشأ مدونة من الكلمات سيئة بليدة تعيق العقل إعاقة عجيبة ... إعاقة لا تجدي فيها التعريفات والشروح التي دأب المثقفون على التحصن بها أحيانا: فما تزال الألفاظ تنتهك الفهم بشكل واضح، وتوقع الخلط في كل شيء، وتوقع الناس في مجادلات فارغة ومغالطات لا حصر لها. (44) وأخيرا هناك تلك الأوهام التي انسربت إلى عقول البشر من المعتقدات المتعددة للفلسفات المختلفة، وكذلك من القواعد المغلوطة للبرهان؛ وهذه أسميها «أوهام المسرح»
idola theatri ؛ ذلك أني أعتبر أن كل الفلسفات التي تعلمها الناس وابتكروها حتى الآن هي أشبه بمسرحيات عديدة جدا تقدم وتؤدى على المسرح، خالقة عوالم من عندها زائفة وهمية، ولا ينسحب حديثي على الفلسفات والمذاهب الرائجة اليوم فحسب، ولا حتى على المذاهب القديمة، فما يزال بالإمكان تأليف الكثير من المسرحيات الأخرى من نفس النمط، وتقديمها بنفس الطريقة المصطنعة وإضفاء الاتفاق عليها، ما دامت أسباب أغلاطها الشديدة التعارض هي أسباب مشتركة إلى حد كبير، ولا أنا أقصر حديثي على الفلسفة الكلية، وإنما أشمل أيضا كثيرا من العناصر والمبادئ الخاصة بالعلوم، والتي اكتسبت قوتها الإقناعية من خلال التقليد والتصديق الساذج والقصور الذاتي. غير أننا ينبغي أن نعرض لكل صنف من الأوهام على حدة بتفصيل أكبر؛ كيما نحصن الفهم البشري ضدها. (45) من طبيعة الفهم البشري الخاصة أنه يميل إلى أن يفترض في العالم نظاما واطرادا أكثر مما يجده فيه، ورغم وجود أشياء كثيرة في الطبيعة فريدة في نوعها وعديمة النظير، فإن الذهن البشري يخترع لها أشباها ونظائر وصلات لا وجود لها، ومن هنا يأتي الوهم القائل بأن جميع الأجرام السماوية تتحرك في دوائر مكتملة، بينما تستبعد تماما المسارات اللولبية والمتمعجة (إلا في الاسم). ومن هنا كذلك إدخال عنصر النار ومداره؛ لكي يكون رباعيا مع العناصر الثلاثة الأخرى التي تدركها الحواس، وكذلك فرض نسبة عشرة إلى واحد على العناصر (كما يطلق عليها ) بشكل اعتسافي، والتي هي نسبة كثافاتها على التوالي، وما إلى ذلك من الهراء، ولا تقتصر هذه الحماقة على النظريات، بل تمتد أيضا إلى التصورات البسيطة. (46)
13
من دأب الفهم البشري عندما يتبنى رأيا (سواء لأنه الرأي السائد أو لأنه يروقه ويسره) أن يقسر كل شيء عداه على أن يؤيده ويتفق معه. ورغم أنه قد تكون هناك شواهد أكثر عددا وثقلا تقف على النقيض من هذا الرأي، فإنه إما أن يهمل هذه الشواهد السلبية ويستخف بها، وإما أن يختلق تفرقة تسول له أن يزيحها وينبذها؛
14
لكي يخلص - بواسطة هذا التقدير السبقي المسيطر والموبق - إلى أن استنتاجاته الأولى ما زالت سليمة ونافذة؛ ولذا فقد كان جوابا وجيها ذلك الذي بدر من رجل أطلعوه على صورة معلقة بالمعبد لأناس دفعوا نذورهم؛ ومن ثم نجوا من حطام سفينة؛ عساه أن يعترف الآن بقدرة الآلهة، فما كان جوابه إلا أن قال: «حسنا، ولكن أين صور أولئك الذين غرقوا بعد دفع النذور؟!»
15
وهكذا سبيل الخرافة، سواء في التنجيم أو في تفسير الأحلام أو الفأل أو ما شابه، حيث تجد الناس - وقد استهوتهم هذه الضلالات - يلتفتون إلى الأحداث التي تتفق معها، أما الأحداث التي لا تتفق - رغم أنها الأكثر والأغلب - فيغفلونها ويغضون عنها الطرف. على أن هذا الأذى يتسلل بطريقة أشد خفاء ودقة إلى داخل الفلسفة والعلوم؛ حيث يفرض الحكم الأول لونه على ما يأتي بعده، ويحمله على الإذعان له والانسجام معه، ولو كان الجديد أفضل وأصوب بما لا يقاس. وفضلا عن ذلك - وبغض النظر عن ذلك الهوى والضلال الذي ذكرت - فإن من الأخطاء التي تسم الفكر الإنساني في كل زمان أنه مغرم ومولع بالشواهد الموجبة أكثر من الشواهد السالبة؛
16
حيث ينبغي أن يقف من الاثنين على حياد. والحق أنه في عملية البرهنة على أي مبدأ صحيح يكون المثال السلبي هو أقوى المثالين وأكثرهما وجاهة وفعالية. (47) إن أكثر ما يشغف الفهم البشري هو تلك الأشياء التي تلفت العقل وتنفذ إليه فورا وفجأة، فتجعل المخيلة تمتلئ للتو وتتمدد، ثم يتراءى له (أي الفهم) ويفترض أن كل شيء آخر هو بطريقة ما - وإن تكن خفية غير مدركة - شبيه بتلك الأشياء القليلة التي استحوذت على العقل، أما في الترحال إلى أمثلة بعيدة وغير متجانسة تختبر المبادئ اختبار النار؛ فإن الفكر بطيء جدا وغير مؤهل ما لم تحمله على ذلك قواعد قاسية وسلطة نافذة. (48) إن الفهم البشري في نشاط دائب، ولا يمكنه أن يتوقف أو يستكن، وما يزال يبتغي المضي قدما وإن كان ذلك بغير جدوى. ولذا فمن غير المتصور أن يكون هناك حد ما للعالم أو نقطة نهاية؛ إذ يبدو لنا دائما - بما يشبه الضرورة - أن هناك شيئا ما وراء ذلك الحد أو النهاية، ولا هو من المتصور أيضا كيف تدفقت الأبدية نزلا إلى يومنا هذا؛ لأن هذا التحديد المتفق عليه للانهاية في الماضي واللانهاية في المستقبل لا يمكن أن يصمد؛ إذ سيترتب أن هناك لا نهاية أكبر من لا نهاية أخرى، وأن اللانهائية تتآكل وتئول إلى نهائية. وثمة نفس الصعوبة فيما يتعلق بقابلية الخطوط للانقسام إلى ما لا نهاية، والناجمة عن انفلات فكرنا وعجزه عن التوقف.
अज्ञात पृष्ठ