[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي جعل في السماء بروجا، وجعل فيها سراجا وهاجا، وبسط بساط بسيط (1) الأرض لنسلك منها سبلا فجاجا، وجعل الجبال أوتادا وخلق كل شيء أزواجا، وخط (2) الأقاليم وجعل البحرين عذبا وملحا أجاجا، وأنبتنا من الأرض ثم يعيدنا فيها ويخرجنا إخراجا، فسبحان من هو مالك البلاد ورازق العباد وخالق السبع الشداد بلا عمد وأوتاد، والمقدس عن الأنداد والأضداد، والمنزه عن الصاحبة والأولاد. أحمده على أن جعلنا من أهل الأمصار والبلدان، ونور قلوبنا بنور الإيمان، وصيرنا من المتدينين بأشرف الأديان والمتأدبين بآداب القرآن، وأصلي على رسوله الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وعلى آله وأصحابه الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وبعد؛
فيقول العبد الفقير المعترف بالعجز والتقصير، الواثق بالتوفيق الإلهي، محمد الشهير بابن سباهي (3): إن جميع أصحاب الشرائع والأديان قد أطبقوا، وجملة أرباب العقول والأذهان قد اتفقوا على أن أعلى الكمالات الإنسانية وأسنى السعادات النفسانية، معرفة الصانع بتقديس ذاته وتنزيه صفاته. وأن ذلك [2 أ] بالتفكر في المبدعات وأسرارها، والتدبر في المصنوعات وأطوارها، ومما يعين على هذا التفكر والتدبر علم الهيئة الذي أثنى [الله في] (4) التنزيل على عالميه بقوله
पृष्ठ 29
عز قائلا: الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطل @QUR@
تقويم البلدان للسلطان الملك المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد المعروف بصاحب حماة صانه الله في العقبى عما يخاف منه وحماه أجود المصنفات في هذا الفن وألطفها، وأحسن المؤلفات فيه وأشرفها، لكونه مشتملا على زبدة كتب المتقدمين وخلاصة زبر المتأخرين، فورب السماء والأرض إنه لكتاب ما رأت عين الفلك الدوار شبيهه (2) في الأقطار، وما سمعت أذان الثوابت والسيارة نظيره في الاعصار: [الطويل]
كتاب فريد لا يرى طرف ناظر
نظيرا له طرا وإن هو أحول
تكل عن وصف كماله الألسن، وفيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وكان قد حذا في تأليفه حذو ابن جزلة في تقويم الأبدان، واعتبر الأقاليم العرفية في الترتيب (3) والبيان. أجريت في هذا الشأن القلم [بعون ذاري الأمم، وبارىء النسم] (4)؛ فرتبته على ترتيب حروف المعجم، وأضفت إليه ما التقطته من مصنفات المحققين (5)، واستنبطته من مؤلفات المدققين (6)، ليكون أخذه يسيرا ونفعه كثيرا، وسميته بأوضح المسالك إلى (7) معرفة البلدان والممالك. وجعلته تحفة لسدة هي حيرة الجنان بهجة وبهاء وخدمة لعتبة (8) هي غيرة الجنان نزهة
पृष्ठ 30
وضياء (1)، وهي سدة الصاحب الأعظم والدستور [2 ب] الأفخم [مهرة رقاب الأمم سلطان الوزراء في العالم] (2) صاحب السيف والقلم، ساحب أذيال اللطف والكرم، ناصب أوتاد الشرع وحاميها، وكاسر جناح البدع وماحيها، رافع ألوية العلم وذويه، وقامع أهوية (3) الجهل وأهليه، ملجأ الفضلاء والعالمين ملاذ العلماء في العالمين، كهف المظلومين، مغيث الملهوفين، ممهد قواعد الملة الربانية، مؤسس مباني الدولة العثمانية فكره الصائب، حاوي فلك الإيالة رأيه الثاقب، متمم أركان الحكومة والعدالة الذي لم يتشرف مسند الوزارة بمثله في الصدارة ولم يكن (4) إحاطة صفاته بلسان العبارة والإشارة: [البسيط]
أم الوزارة [كانت] (5) جمة الولد
لكن بمثلك لم تحبل ولم تلد
وسارت جنائب الأفلاك بتعال (6) الأهلة، ومسامير (7) الكواكب في مواكب رفعة شأنه، وأصبحت منطقة السروج (8) مرصعة بالثوابت الزواهر نطاقا على خواصر خدمه وغلمانه، واستنارت أزهار الفضل في أوانه وارتفعت أقدار العلم في زمانه، وهو قطب فلك الكرم والامتنان، ومركز دائرة الجود والإحسان خلاصة العناصر وزبدة (9) الأركان سمي حبيب الرحمن: [الطويل]
وليس إلى مدحي لو صفك حاجة
فذاتك (10) ممدوح وخلقك مادح
पृष्ठ 31
لا زال خلوص نيته (1) حاملا على تعمير المسالك وكمال همته مائلا إلى تمصير الممالك وما برحت أعلام العدل في أيام دولته عالية، وقيمة العلم من آثار تربيته غالية، أهديته إلى سدته السنية وعتبته العلية آداء لشكر امتنانه السابق ورجاء [لنيل] (2) إحسانه اللاحق (3) فإن أصغر خدمه وأحقر عباد حرمه قد ارتوى من نهر [3 أ] كرمه وغرق (4) في بحر جوده ونعمه: [الطويل]
ولو أن لي (5) في كل منبت شعرة
لسانا، لما أستوفيت واجب حمده
بذلت له رقي وها أنا عبده
وقصرت فيما قلت بل عبد عبده
فإن وقع موقع القبول، ووضع موضع المرضي المقبول، فهو من توفيق الله وتسديده وإعانته وتأييده، ثم المرجو من أخلاقه الكريمة على مقتضى عادته القديمة، أن يلتفت إلى حال عبده الداعي بالنظر الشامل الشافي، والكرم الوافر الوافي، ويخلصه من عساكر طغاة الهموم، وينجيه من جيوش بغاة الغموم. اللهم كما جعلت مجرة الأفلاك من مسالك قدم هممه (6)، ورقاب أرباب الألباب مطوقة بأطواق نعم كرمه، أجعل مدارج معارج آمال (7) الدنيا والآخرة مطوية بأخمص قدمه بحرمة نبيك وحرمه.
هذه أسماء الكتب (8) التي ينقل عنها في هذا الكتاب: كتاب نزهة المشتاق للشريف الإدريسي في المسالك والممالك، كتاب ابن خرداذبه، كتاب الأنساب
पृष्ठ 32
للسمعاني، كتاب مزيل الارتياب عن مشتبه الانتساب وكتاب الفيصل (1) كلاهما لأبي المجد إسماعيل بن هبة الله الموصلي، وكتاب المشترك وضعا والمختلف صقعا لياقوت الحموي، كتاب القانون المسعودي لأبي الريحان البيروني، كتاب الأطوال والعروض للفرس، كتاب المسالك والممالك المعروف بالعزيزي نسبة إلى العزيز صاحب مصر الفاطمي (2) تأليف الحسن بن أحمد المهلبي، كتاب رسم الربع المعمور، كتاب منسوب إلى بطلميوس نقل من اللغة اليونانية إلى اللغة العبرانية وعرب [3 ب] للمأمون، كتاب اللباب لابن الأثير، كتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب، وكتاب الصحاح وكتاب القاموس وكتاب تاريخ الحكماء لجمال الدين القفطي، وكتاب تحفة الآداب في ذكر التواريخ والأنساب لمحمد بن الحسين بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الله العلوي الحسيني النسابة، وكتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية لأبي الريحان البيروني، وكتاب الإشارات (3) في معرفة الزيارات لعلي بن أبي بكر الهروي، (وكتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لعبد الرحمن بن محمد العمري العليمي) (4) الحنبلي، وكتاب التاريخ لابن كردوش النصراني، وكتاب مختصر الدول لماغريغوريوس النصراني، وشرحا المقامات (5) الحريرية أحدهما لأبي البقاء النحوي والآخر للإمام المسعودي، وكتاب المختصر في أخبار البشر لإسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر ابن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة، وكتاب مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع تأليف صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق.
पृष्ठ 33
الكلام على البحار
المنقول عن الحكماء أن البحر المالح (1) هو أحد العناصر الأربعة (2)، قالوا:
البحار العظيمة المشهورة خمسة: البحر المحيط، وبحر الصين، وبحر الروم، وبحر نيطش، وبحر الخزر، ولأصحاب الجغرافيا اصطلاح في تعريف البحور فيقولون يمتد كالقوارة وكالشابورة وكالطيلسان ونحو ذلك. وقد صورنا ذلك وكتبنا الأسماء التي اصطلح عليها أهل الصناعة وهي هذه:
والخور (3) [4 أ] كل خليج يمتد من البحر إلى بعض النواحي. والمجرى ما يقطعه المركب في يوم وليلة بالريح الطيب.
ذكر البحر المحيط
نحن إذا عرفنا البحر إنما نعرفه بجوانب الأرض التي قد أحاط بها، وقد نعرف بعض جوانب الأرض بالبحر المحيط بها، ولكن البعض الذي نعرف به البحر غير البعض الذي نعرفه بالبحر فلا دور، وإنما سمي محيطا لإحاطته بجميع القدر المكشوف من الأرض؛ ولهذا كان يسميه أرسطو الإكليلي لأنه حول الأرض
पृष्ठ 34
كالإكليل على الرأس ولنبتدىء فنذكره من الجانب الغربي، ثم نذكر أحاطته من الجهة الجنوبية، ثم من الجهة الشرقية، ثم الشمالية، ثم الغربية من حيث ابتدأنا.
فنقول: إن جانب البحر المحيط الغربي على ساحله بلاد المغرب يسمى أوقيانوس، وفيه الجزائر الخالدات وهي واغلة فيه عن (1) ساحله عشر درجات.
والبحر المحيط المذكور يأخذ من الامتداد من سواحل بلاد المغرب الأقصى قبالة سبتة وسلا إلى جهة الجنوب حتى يتجاوز صحراء لمتونة (2)، وهي براري البربر (3) بين طرف بلاد المغرب وبين أطراف بلاد السودان، ثم يمتد جنوبا على أراض خربة غير مسكونة ولا مسلوكة حتى يتجاوز خط الاستواء في الجنوب عنه، ثم يعطف إلى جهة الشرق وراء جبال القمر التي منها منابيع نيل مصر، فيصير البحر المذكور جنوبيا عن (4) الأرض، ثم يمتد مشرقا على أراض خراب وراء بلاد الزنج، ثم يمتد شرقا وشمالا حتى يتصل ببحر الصين والهند، ثم يأخذ مشرقا حتى يسامت نهاية الأرض الشرقية المكشوفة وهناك [4 ب] بلاد الصين، ثم ينعطف في شرقي الصين إلى جهة الشمال، ثم يمتد شمالا على غربي (5) بلاد الصين حتى يتجاوز بلاد الصين، ويسامت سد يأجوج ومأجوج.
ثم ينعطف ويستدير على أراض غير معلومة الأحوال ، ويمتد مغربا ويصير في جهة الشمال على الأرض ويسامت بلاد الروس، ويتجاوزها ويعطف مغربا وجنوبا ويستدير على الأرض ويصير من جهة الغرب، ويمتد على سواحل أمم مختلفة من الكفار حتى يسامت بلاد رومية من غربيها، ثم يمتد جنوبا ويتجاوز بلاد رومية إلى مسامتة البلاد التي بين رومية وبين الأندلس حتى يتجاوزها إلى سواحل
पृष्ठ 35
الأندلس، ثم يمتد على غربي الأندلس جنوبا حتى يتجاوز الأندلس ويسامت سبتة من بر العدوة من حيث ابتدأنا.
ومما نقلنا من كلام الإدريسي: أن ماء البحر المحيط الذي بجهة الجنوب غليظ لأن الشمس بسبب مسامتتها [له] (1) وقربها منه حللت الأجزاء اللطيفة من الماء فغلظ ماؤه واشتدت ملوحته وسخونته ولذلك لا يعيش فيه حيوان، ولا يسلك فيه مركب، وقال في كتابه المسمى بنزهة المشتاق (2): إن البحر المحيط الشرقي يسمى البحر الزفتي لأن ماءه كدر وريحه عاصفة، والظلمة لا تزال واقعة (3) عليه في أكثر الأوقات، ويتصل هذا البحر الزفتي بالبحر المحيط المتصل ببلاد (4) يأجوج.
ذكر البحر الخارج من المحيط الشرقي إلى جهة الغرب إجمالا
وهو بحر ينبعث من البحر المحيط من عند أقصى بلاد الصين الشرقية التي ليس شرقها غير البحر المحيط، ويأخذ مغربا إلى القلزم حيث الطول ست وخمسون درجة ونصف، فيكون طول هذا البحر من طرف بلاد الصين إلى [5 أ] القلزم نحو مائة وأربع وعشرين درجة، فإذا ضربتها في أثنين وعشرين وتسعين وهو فراسخ درجة واحدة على رأي القدماء خرج طول هذا البحر بالفراسخ وهو ألفان وسبعمائة وثمانية وأربعون فرسخا بالتقريب.
ويسمى هذا البحر بأسماء البلاد (5) التي يسامتها؛ فطرفه الشرقي يسمى بحر
पृष्ठ 36
الصين لأن بلاد الصين على ساحله، ثم القطعة الغربية عن بحر الصين يسمى بحر الهند لمسامتتها بلاد الهند، ثم يصير منه بحر فارس، ثم بحر البربر وهو المعروف بالخليج البربري، ثم بحر القلزم وسنذكر كل واحد من هذه البحور بمفرده.
ذكر بحر الصين
أما تفاصيل أحواله وتحديده فإنه مجهول لنا، ولم نقف فيه على تفصيل محقق، والذي ثبت (1) في الكتب أن أطراف بلاد الصين الشرقية الجنوبية تتصل بخط الاستواء حيث لا يكون عرض، ومن هناك يخرج بحر الصين المذكور فيأخذ في الغرب وفيه جزائر بها مدن كثيرة بعضها على خط الاستواء وبعضها جنوبي خط الاستواء، ولا يزال بحر الصين يغرب (2) حتى يسامت جبال قامرون (3) وهي حجاز بين الصين والهند، وهي معدن العود، وهي حيث الطول مائة وخمس وعشرون والعرض عشر درج.
ورأيت في المسالك والممالك أن جزيرة سريرة إذا أقلع الإنسان منها طالبا بلاد الصين الشرقية واجهته (4) في البحر جبال معترضة داخلة في البحر مسيرة عشرة أيام، وفي تلك الجبال أبواب وفرج تسلك فيها المراكب بين تلك الجبال، وكل باب من هذه الأبواب يفضي إلى بلدة (5) من بلاد الصين، وهذه الطرائق لمن سار إلى سمت الشرق [5 ب] وتياسر عن اللجة، وأما من قصد اللجة فإنه يصير في جنوبي هذه الجبال خارجا عنها.
पृष्ठ 37
ذكر البحر الأخضر
وهو بحر الهند، أما شرقيه فبحر (1) الصين، وشماليه بلاد الهند، وغربيه بلاد اليمن، وأما جنوبيه فغير معلوم لنا. فإنه بحر ممتد في الجنوب (2) حتى يتجاوز خط الاستواء، وفيه جزيرة سرنديب على ما سنذكره إن شاء الله. قالوا: وبحر الهند والصين ألف وسبعمائة جزيرة عامرة غير الخراب، وقد ذكر في رسم الربع المعمور لهذا البحر أطوال وعروض لأطرافه، اعتبرنا بعضها فلم يوافق فأضربنا (3) عنها.
ذكر بحر فارس
وهو بحر ينبعث من بحر الهند شمالا بين مكران وهي على فم بحر فارس من شرقيه وقصبة مكران تيز (4) وهي حيث الطول ثلاث وتسعون والعرض أربع وعشرون درجة وخمس وأربعون دقيقة وبين عمان وهي على فم بحر فارس من غربيه حيث الطول أربع وسبعون والعرض تسع عشرة وخمس وأربعون دقيقة، ثم يمتد البحر على ساحل عمان، ويمر شمالا حتى يبلغ عبادان حيث الطول خمس وسبعون ونصف والعرض إحدى وثلاثون فقط، ثم يمتد من عبادان الى مهروبان (5) مشرقا بميلة يسيرة إلى الجنوب وهي حيث الطول ست وسبعون والعرض ثلاثون، ثم يمر (6) إلى سينيز حيث الطول ست وسبعون والعرض اثنتان وثلاثون فقط، ثم يمتد جنوبا إلى جنابة (7) حيث الطول سبع وسبعون وثلث والعرض ثلاثون فقط، ثم
पृष्ठ 38
يمتد إلى سيف البحر وهو ساحل بلاد فارس فيه ميناء (1) للحط والإقلاع وحواليها قرى، ثم يتجاوز سيف البحر ويمتد [6 أ] مشرقا إلى سيراف حيث الطول تسع وسبعون ونصف والعرض تسع وعشرون (2)، ثم يمتد على جبال منقطعة ومفاوز ويأخذ مشرقا إلى حصن ابن عمارة حيث الطول أربع وثمانون فقط، والعرض ثلاثون درجة وعشرون دقيقة، ثم يمتد مشرقا حتى يتصل إلى هرمز (3) وهي فرضة كرمان حيث الطول خمس وثمانون والعرض ثلاثون، ثم يمتد جنوبا ومشرقا إلى ساحل مكران وقصبتها تيز (4) التي طولها وعرضها ما ذكر و[هو] (5) صح والعرض كد مه.
وعلى فم بحر فارس الدردور وهي ثلاثة جبال يقال لأحدها كسير والآخر عوير (6) والثالث ليس فيه خير (7)، وماء البحر يدور هناك فإذا وقع فيه المركب كسره هناك. قالوا: وهذه الجبال غارقة في البحر ويظهر منها القليل. قال الشريف الإدريسي (8): المكان المسمى بالدردور وهو محاذ لهذين (9) الجبلين، ويقع في جميع البحر الشرقي وبحر فارس المد والجزر في كل يوم (10) وليلة مرتان، وهو أن يرتفع البحر نحو عشرة أذرع ثم يهبط حتى يصير (11) إلى مقداره الأول.
पृष्ठ 39
ذكر بحر القلزم
ويسمى بالخليج الأحمر ولنبتدىء بذكره من القلزم وهي بليدة (1) على طرفه الشمالي (2) حيث الطول أربع وخمسون وربع، وقيل ست وخمسون ونصف والعرض ثمان وعشرون وثلث، ويأخذ البحر المذكور من القلزم جنوبا بميلة إلى الشرق حتى يصير عند القصير، وهي فرضة قوص (3) حيث الطول تسع وخمسون درجة والعرض ست وعشرون، ثم يأخذ جنوبا بميلة يسيرة إلى الغرب وذلك عند عيذاب (4) حيث الطول ثمان وخمسون درجة والعرض إحدى وعشرون، ثم يمتد في سمت الجنوب من غير ميلة حتى يصير عند سواكن [6 ب]، وهي بليدة السودان (5) حيث الطول أيضا ثمان وخمسون درجة والعرض سبع عشرة، ثم يمتد جنوبا حتى يحيط بجزيرة دهلك وهي قريبة من ساحله الغربي حيث الطول إحدى وستون درجة والعرض [أربع] (6) عشرة، ثم يمتد على سواحل الحبشة جنوبا ويصل إلى رأس جبل المندب وهو نهاية بحر القلزم الجنوبية عند فم بحر القلزم من بحر الهند، ويتقارب جبل المندب وبر عدن ويبقى البحر بينهما ضيقا حتى يرى الرجل صاحبه من البر الآخر وهذا المضيق يسمى باب المندب.
وحكى لي بعض المسافرين أن باب المندب دون عدن وهو عنها في جهة الشمال بميلة إلى الغرب (7) نحو مجرى وجبال المندب في بر السودان. وترى جبال المندب من جبال عدن على بعد، وهو غاية ضيق البحر هناك، وعدن عن
पृष्ठ 40
باب المندب في جهة الجنوب والشرق. فهذا ما على جانب بحر القلزم من القلزم إلى المندب وهو الجانب الغربي لهذا البحر، ثم ننتقل (1) إلى البر الآخر المقابل لجبل (2) المندب وهناك عدن فنقول: ثم يمتد بحر القلزم من عدن حيث الطول ست وستون درجة والعرض إحدى عشرة شمالا، ويتجاوز سواحل اليمن حتى يتصل بحلى ابن يعقوب في أواخر حدود اليمن حيث الطول سبع وستون [درجة] (3) والعرض تسع عشرة ينقص عشر دقائق، ثم يمتد شمالا حتى يتصل بجدة حيث الطول ست وستون درجة والعرض إحدى وعشرون [درجة] (4)، ثم يمتد شمالا بميلة يسيرة إلى الغرب حتى يتصل بالجحفة، وهي ميقات أهل مصر حيث الطول خمس وستون والعرض [7 أ] اثنتان وعشرون، ثم يمتد شمالا بميلة إلى الغرب حتى يتصل بساحل ينبع (5) حيث الطول أربع وستون والعرض ست وعشرون، ثم يأخذ من (6) الغرب والشمال حتى يتجاوز مدين ويتصل بأيلة حيث الطول خمس وخمسون والعرض تسع وعشرون.
وقال في القانون (7): أيلة حيث الطول ست وخمسون درجة وأربعون دقيقة والعرض ثمان وعشرون وخمسون دقيقة، ثم يرجع جنوبا إلى الطور (8) وهو مكان حط وإقلاع بين ذراعين من البحر، ثم يعود شمالا ويتصل بالقلزم عند طول أربع وخمسين وهو غربي أيلة والعرضان متقاربان من حيث ابتدأنا، والقلزم وأيلة على
पृष्ठ 41
ذراعين أو لسانين من البحر (قد طعنا (1) في البر الشمالي، وصار بين اللسانين المذكورين للبر (2) دخلة إلى الجنوب في البحر) (3)، وفي تلك الدخلة الطور حيث الطول نحو طول أيلة، وعلى طرف اللسان الشرقي أيلة وعلى طرف اللسان الغربي القلزم ، فأيلة شرقي القلزم وفيما بين القلزم وأيلة الطور وهي جنوبي القلزم، وأيلة على رأس الدخلة في البحر فبين الطور وبين بر مصر بحر، وهو اللسان الذي على طرفه أيلة (4) فمن الطور إلى كل من البرين في البحر قريب. وأما في البر ففيه بعد لأن المسافر من الطور يحتاج أن يستدير على القلزم إن قصد ديار مصر أو يستدير على أيلة إن قصد الحجاز، فالطور جهته الشمالية مكشوفة متصلة بالبر وباقي ثلاث جهاته يحيط بها البحر.
وبحر القلزم المذكور إذا تجاوز القصير اتسع إلى جهتي الجنوب والشرق حتى يكون اتساعه سبعين (5) [7 ب] ميلا، وتسمى تلك القطعة المتسعة بركة غرندل، بضم الغين المعجمة والراء المهملة وسكون النون ثم دال مهملة ولام.
ذكر الخليج البربري
وهو خليج ينبعث من بحر الهند في جنوبي جبل المندب وجنوبي بلاد الحبشة ويأخذ مغربا حتى يتصل ببربرا في بلاد الزنج حيث الطول ثمان وستون والعرض ست ونصف، وفي القانون (6): عرض بربرا اثنتا عشرة درجة، وطول هذا البحر من الشرق إلى الغرب نحو خمسمائة ميل، ويحكى عن أمواج هذا الخليج
पृष्ठ 42
البربري شيء عظيم. قال الإدريسي (1): إن الموج فيه يصير كالجبال الشواهق وموجه لا ينكسر. قال: وإنما يركب فيه إلى جزيرة قنبلو وهي جزيرة في البحر المذكور للزنج وفيها مسلمون.
ذكر بحر أوقيانوس
وهو [قطعة من البحر المحيط الغربي قد طردت بلاد المغرب] (2) الأقصى عن ابتداء الأطوال إلى جهة الشرق، ويبتدىء هذا البحر من طرف خط (3) الاستواء الغربي، وهو الموضع الذي يؤخذ منه ومما هو في سمته أطوال الأماكن، فيبتدىء هذا البحر من حيث لا عرض ويأخذ مشرقا إلى طول درجة واحدة، ثم يمتد شرقا وشمالا إلى طول عشر درجات وعرض ست عشرة، ثم يمتد ويعطف شمالا ومغربا فينقص طوله حتى ينتهي إلى طول سبع درجات والعرض خمس وثلاثون درجة، وذلك عند طنجة، ثم يمتد على غربي ساحل الأندلس ويتجاوز الأندلس ويستدير على شمالي رومية، ويمتد كذلك شمالا إلى عرض إحدى وستين، وطول ثلاث وأربعين، ويمتد حتى يصير في الجانب الشمالي عن الأرض حيث العرض إحدى وسبعون درجة، ويخرج من هذا البحر (4) عدة أبحر منها: بحر الروم وبحر برديل وبحر ورنك على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
ويقع [8 أ] في هذا البحر المد والجزر أيضا (5) في اليوم والليلة مرتين. قال الإدريسي في نزهة المشتاق (6): إن المد والجزر الذي رأيناه عيانا في بحر الظلمات
पृष्ठ 43
وهو البحر المحيط بغربي الأندلس وبلاد برطانية فإن المد يبتدىء في الساعة الثالثة من النهار إلى أول التاسعة ثم يأخذ في الجزر ست ساعات، مع آخر النهار ثم يمتد (1) ست ساعات ثم يجزر ست ساعات هكذا يمد في اليوم مرة وفي الليل مرة، ويجزر (2) في اليوم مرة وفي الليل مرة أخرى، وعلة ذلك أن الريح تهيج هذا البحر في أول الساعة الثالثة من النهار، وكلما طلعت الشمس في أفقها كان المد مع زيادة الريح، ثم تنقص الريح عند آخر النهار لميل الشمس إلى الغروب فيكون الجزر أيضا، وكذلك الليل تهيج الريح في صدره وتركد مع آخره. وزيادة الماء في المد يكون في ليلة ثلاث عشرة [وليلة أربع عشرة] (3) وليلة خمس عشرة وليلة ست عشرة [وفي هذه الليالي يفيض الماء فيضا] (4) كثيرا، ويصل إلى أمكنة لا يصل إليها إلا في مثل تلك الليالي من الشهر الآتي، وهذا يراه أهل المغرب مشاهدة لا امتراء فيه ويسمون هذا المد فيضا (5).
يقول العبد [الضعيف] (6) ذكر في خريدة العجائب وفريدة الغرائب (7):
[إن] (8) بحر أوقيانوس بحر عظيم هائل، غليظ (9) المياه، كدر اللون، شامخ الموج، صعب الظهر، لا يمكن ركوبه لأحد (10) من صعوبته وظلمة متنه وتعاظم أمواجه وكثرة أهواله وهيجان رياحه وتسلط دوابه، وهذا البحر لا يعلم أحد قعره
पृष्ठ 44
ولا يعلم ما خلفه إلا الله، وهو غور المحيط ولم يقف أحد من خبره على الصحة، ولا ركبه أحد ملججا أبدا إنما يمر مع ذيل (1) الساحل لأن به أمواجا كالجبال الشوامخ ودوي كعظم (2) دوي الرعد لكن أمواجه [8 ب] لا تنكسر ولو انكسرت لم يركبه (3) أحد لا ملججا ولا مسوحلا.
واتفق جماعة من أهل أشبونة (4) وهم ثمانية أنفس وكلهم أبناء عم فأنشأوا مركبا كبيرا وحملوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم مدة طويلة، وركبوا متن هذا البحر ليعرفوا ما في نهايته ويروا ما فيه من العجائب، وتحالفوا أنهم لا يرجعون أبدا حتى ينتهوا إلى البر الغربي أو يموتوا، فساروا فيه ملججين أحد عشر يوما فدخلوا إلى بحر عظيم غليظ الموج كدر الريح مظلم المتن والقعر (5) كثير القروش (6) فأيقنوا بالهلاك والعطب، فرجعوا إلى (7) البحر في الجنوب إثني عشر يوما فدخلوا إلى جزيرة الغنم وفيها من الأغنام ما لا يحصي عدده إلا الله، وليس بها آدمي ولا بشر ولا صاحب فنفضوا (8) إلى الجزيرة وذبحوا من ذلك الغنم وأصلحوه وأرادوا أن يأكلوه فوجدوا لحومها مرة لا تؤكل، فأخذوا من جلودها ما أمكن ووجدوا بها عين ماء عذب فملئوا منها وسافروا مع الجنوب اثني عشر يوما أخر فوافوا جزيرة وبها عمارة فقصدوها؛ فلم يشعروا إلا وقد أحاطت بهم زوارق وبها قوم موكلون بها فقبضوا عليهم وحملوهم إلى الجزيرة فدخلوا إلى مدينة على
पृष्ठ 45
ضفة البحر وأنزلوهم بدار ورأوا بتلك المدينة والجزيرة رجالا شقر الألوان طوال القدود ولنسائهم جمال مفرط يخرج عن الوصف فتركوهم في الدار ثلاثة أيام، ثم دخل إليهم في اليوم الرابع إنسان ترجمان وكلمهم بالعربي (1) وسألهم عن حالهم فأخبروه بخبرهم، فأحضروا قدام الملك الذي لهم وأخبره الترجمان بما أخبروه عن حالهم (2) فضحك الملك منهم وقال للترجمان: قل لهم إني وجهت من عندي في هذا البحر قوما ليأتوني بخبر ما فيه من العجائب، فساروا مغربين شهرا حتى أنقطع عنهم الضوء وصاروا في مثل الليل المظلم، فرجعوا [9 أ] من غير فائدة.
ووعدهم الملك خيرا، وأقاموا عنده حتى هبت ريحهم فبعثهم الملك مع قوم من أصحابه في زورق وكتفوهم وعصبوا أعينهم وسافروا بهم مدة لا يعلمون كم هي، ثم تركوهم على الساحل وانصرفوا، فلما سمعوا كلام الناس صاحوا، فأقبلوا إليهم وحلوا عن أعينهم وقطعوا كتافاتهم (3) وأخبروهم الجماعة بخبرهم وبلدهم، فقال لهم الناس: هل تدرون [كم] (4) بينكم وبين بلدكم؟ فقالوا لا ! قالوا فوق شهر جدا، فرجعوا إلى بلدهم. ولهم في أشبونة حارة معروفة مشهورة تسمى حارة المغرورين (5) إلى الآن.
وذكر في الخريدة (6) أيضا: أن في بحر أوقيانوس من الجزائر العامرة والخراب ما لا يعلمه إلا الله، وقد وصل الناس منها إلى سبع عشرة جزيرة، فمنها الخالدتان وهما جزيرتان على كل واحدة منهما صنم (7) مبني بالحجر الصلد، طول كل صنم مائة ذراع، وفوق كل صنم صورة رجل من نحاس يشير بيده إلى خلف
पृष्ठ 46
يعني ارجع فما ورائي شيء ولا مسلك بناها ذو المنار الحميري من التبابعة وهو [ذو] (1) القرنين لا المذكور في القرآن.
ومنها جزيرة العوس (2) وبها أيضا صنم (3) وثيق البناء لا يمكن الصعود إليه، بناه أيضا ذو القرنين المذكور، وبهذه الجزيرة مات الباني وقبره بها في هيكل مبني بالمرمر والزجاج الملون، وبهذه الجزيرة دواب هائلة ينكرها السامع.
ذكر بحر الروم
وهو البحر الخارج [من] (4) أوقيانوس في جهة الشرق وابتداؤه من عند طنجة وهو يخرج من بين طنجة وسبتة وغيرهما من بر العدوة وبر (5) الأندلس ويسمى هناك بحر الزقاق وهو ضيق هناك وكان في الزمان القديم سعة الزقاق، وهو من بر العدوة إلى بر الأندلس عشرة أميال. قال الإدريسي (6): وذلك ثابت في الكتب القديمة، وأما في زماننا هذا فإنه اتسع عن ذلك. قال ابن سعيد (7): وقدره ثمانية عشر ميلا [9 ب] في زماننا هذا.
ولنبتدىء فنذكر هذا البحر من طنجة وسبتة اللتين ببر العدوة، ثم نذكر جوانبه حتى ينتهي إلى البر الآخر من الأندلس إلى مدينة الجزيرة الخضراء المقابلة لسبتة وطنجة من حيث ابتدأنا فنقول: يخرج هذا البحر من الغرب إلى جهة الشرق ويبتدىء من بين الأندلس وطنجة حيث الطول سبع درج والعرض خمس وثلاثون،
पृष्ठ 47
ثم يعطف جنوبا وشرقا إلى [سلا حيث الطول سبع درج وكسر والعرض ثلاث وثلاثون ثم يمتد شرقا وشمالا إلى] (1) سبتة حيث الطول تسع والعرض خمس وثلاثون بحاله، ثم يأخذ البحر في الجنوب (2) إلى طول خمس عشرة وعرض أثنتين وثلاثين، وذلك بعد أن يتجاوز تلمسان، ثم يأخذ مشرقا بميلة إلى الشمال حتى يصير عند الجزائر فرضة بجاية حيث الطول عشرون والعرض ثلاث وثلاثون، ثم يمر حتى يتجاوز مملكة بجاية إلى أول حدود إفريقية، ويمر في سمت وسط المشرق حتى يقابل تونس من شماليها ويدخل منه خور إلى تونس حيث الطول اثنتان وثلاثون والعرض ثلاث وثلاثون، ثم يمتد بعد أن يتجاوز تونس نحو تسعين ميلا شرقا نصبا، ثم ينعطف جنوبا حتى يصير له دخلة كبيرة في الجنوب، وفي فم هذه الدخلة وهو حيث أنعطف البحر عن التشريق إلى الجنوب جزيرة قوصرة (3) المقابلة لجزيرة صقلية، ويمتد البحر في الجنوب إلى قبل أن يصل سوسة، ثم يشرق إلى سوسة حيث الطول أربع وثلاثون والعرض ثلاث وثلاثون ينقص عشرين دقيقة، (ثم يأخذ مشرقا وجنوبا إلى المهدية (4) حيث الطول خمس وثلاثون ينقص عشرين دقيقة) (5) والعرض اثنتان وثلاثون.
ثم يمتد البحر مشرقا وجنوبا حتى يتجاوز صفاقس إلى حيث يكون جزيرة جربة وهي في شرقي صفاقس وجنوبيها وبعد أن يتجاوز البحر جربة مشرقا يعطف إلى الشمال، ويصير للبر (6) الجنوبي [10 أ] دخلة في البحر، ويأخذ البحر مشرقا وشمالا حتى يبلغ طرابلس الغرب حيث الطول ثمان وثلاثون والعرض اثنتان
पृष्ठ 48