لكنها أدركت على الفور أن آنسون لن يستعين أبدا بهذه الخطابات في كتابه؛ لأنه لن يكشف النقاب مطلقا عن فضيحة داخل عائلة بينتلاند، على الرغم من أنها كانت فضيحة انتهت، نهاية مأساوية، قبل قرن من الزمان تقريبا وصارت الآن أقرب إلى قصة رومانسية خالصة. أدركت، بالطبع، أن علاقة حب جمعت بين مخلوقة على قدر كبير من التألق والإشراق مثل سافينا بينتلاند ووغد مثل توبي كاين ستبدو غريبة جدا في كتاب بعنوان «عائلة بينتلاند ومستعمرة خليج ماساتشوستس». ربما كان من الأفضل عدم الحديث عن الخطابات مطلقا. فمن شأن آنسون أن يدمر كل القيمة التي تحملها بين طياتها بطريقة أو أخرى؛ فمن شأنه أن يقدم الحقيقة قربانا لآلهة الوقار والتظاهر.
دست الخطابات في جيبها، ونزلت على درج السلم المظلم، وفي الجناح الشمالي قابلتها الآنسة إيجان لتسألها، بنزعة يغلب عليها نفاد الصبر، قائلة : «أظن أنك لم تجدي شيئا، أليس كذلك؟»
أجابتها أوليفيا سريعا بقولها: «كلا، لا شيء من المحتمل أن يثير اهتمامها.»
أجابت الآنسة إيجان، وهي تنظر إلى أوليفيا بدا منها أنها تشك في صدق ما قالته: «إنها فكرة غريبة تفتق ذهنها عنها.» •••
لم تنزل إلى الطابق السفلي على الفور. وإنما توجهت إلى غرفتها وبعد الاستحمام، جلست على كرسي المضطجع بجوار النافذة المفتوحة فوق الشرفة الأمامية، مستعدة لقراءة الخطابات واحدا تلو الآخر. ومن الأسفل، تصاعدت همهمة صوتين، أحدهما رنان وحاد؛ والآخر متوتر ورفيع وعالي النبرة - صوت سابين وصوت العمة كاسي - أثناء جلوسهما في الشرفة الأمامية تتجاذبان أطراف حديث لاذع، تتبارى فيه كل منهما في التفوق على الأخرى. وبينما كانت أوليفيا تسمع، قررت أنها سئمت من كلتيهما هذا الصباح؛ ولأول مرة يخطر ببالها أن ثمة تشابها ما بطريقة غريبة بين المرأتين اللتين كانتا تبدوان في غاية الاختلاف. كانت هاتان الفضوليتان، اللتان تبغض إحداهما الأخرى أشد البغض، تتبعان نفس الطريقة في محاولتهما التدخل في شئون حياتها.
لم تحمل الخطابات أي تواريخ، ولذا بدأت قراءتها بحماس بالترتيب الذي وجدت عليه، لتبدأ بالخطاب المكتوب فيه:
انتظرتك الليلة الماضية في المنزل الريفي حتى الساعة الحادية عشرة وحين لم تأتي عرفت أنه لم يسافر إلى مدينة سالم، في نهاية المطاف، وأنه لا يزال معك في منزل عائلة بينتلاند ...
حبيبتي،
وواصلت القراءة: «ما لا أحتمله هي فكرة قربه منك، بل وامتلاكه لك أحيانا. أتخيله الآن جالسا هناك في غرفة الاستقبال، ينظر إليك؛ يلتهمك بعينيه ويتظاهر طوال الوقت بأنه يسمو فوق شهوات الجسد. الجسد! الجسد! أنا وأنت، يا عزيزتي، نعرف عظمة الجسد. أحيانا أظن أنني جبان لأنني لا أقتله على الفور.
بحق الرب، تخلصي منه الليلة بطريقة ما. لا أستطيع أن أقضي ليلة أخرى وحدي في المنزل الريفي الكئيب المظلم منتظرا بلا جدوى. الجلوس هناك مدركا أن كل دقيقة، وكل ثانية، قد تحمل معها وقع خطواتك وأنت قادمة هو أمر يتعدى حدود قدراتي على الاحتمال. ارحميني. وتخلصي منه بطريقة ما.
अज्ञात पृष्ठ