كان صبر الفرس قد نفد وأخذت تنبش الطريق بحوافرها وتهز رأسها بحركات فجائية؛ وصارت أوليفيا غاضبة الآن، غاضبة بحق، لذا تمهلت قليلا قبل أن تتحدث، كيلا تفضح نفسها وتفسد لعبة التظاهر الصغيرة هذه التي ابتكرها السيد جافين ليحافظ على مظهر هادئ ويخفي مشاعره. أخيرا قالت: «سأفعل ما في وسعي، ولكنك تطلب مني شيئا سخيفا.»
ابتسم الرجل الضئيل البنية كاشفا عن أسنانه. وقال: «لقد أمضيت وقتا طويلا في السياسة يا سيدتي، ورأيت أشياء أسخف من هذا ...» واعتمر قبعته، كما لو أن ذلك إشارة على أنه قال كل ما أراد قوله. وأردف قائلا: «ولكن ثمة شيء واحد أود أن أطلبه ... وهو ألا تدعي مايكل يعرف أبدا أنني تحدثت معك عن هذا الأمر.» «ولماذا ينبغي أن أعدك ... بأي شيء؟»
اقترب أكثر وقال بصوت خفيض: «أنت تعرفين مايكل جيدا، يا سيدة بينتلاند ... أنت تعرفين مايكل جيدا، وتعرفين أنه عصبي وسريع الغضب. إذا اكتشف أننا كنا نتدخل في شئونه، فقد يفعل أي شيء. قد يترك المسألة كلها فجأة وينفض يده تماما. لم يسبق له أن تصرف هكذا بشأن أي امرأة. ولكنه يمكن أن يفعل ذلك الآن ... ذلك هو ما يشعر به. أنت لا ترغبين في رؤيته وهو يدمر نفسه ولا أنا أرغب في ذلك ... رجل ذكي مثل مايكل. يا إلهي، قد يصبح رئيسا ذات يوم. يستطيع أن يفعل أي شيء يضعه نصب عينيه، يا سيدتي، لكنه صار الآن، كما يقولون، متقلب المزاج.»
قالت أوليفيا بهدوء: «لن أخبره. وسأفعل ما بوسعي لمساعدتك. الآن يجب أن أذهب.» شعرت فجأة بالود تجاه السيد جافين، ربما لأن ما قاله لها هو بالضبط ما كانت تريد سماعه في تلك اللحظة. انحنت من على فرسها ومدت يدها وهي تقول: «صباح الخير يا سيد جافين.»
خلع السيد جافين قبعته مرة أخرى، كاشفا عن رأسه المستدير الأصلع اللامع. وقال: «صباح الخير يا سيدة بينتلاند.»
وبينما كانت ماضية على صهوة فرسها، ظل الرجل الضئيل البنية واقفا في منتصف الطريق يلاحقها بنظراته حتى اختفت. لمعت عينه ببريق الإعجاب، ولكن حين انعطفت من الطريق متجهة إلى المروج، عبس وسب جهرا. فحتى هذه اللحظة لم يكن يفهم كيف يمكن لسياسي محنك مثل مايكل أن يفقد رباطة جأشه ويتصرف بلا تعقل من أجل امرأة. ولكن راودته فكرة أن بإمكانه أن يثق بهذه المرأة في أنها ستفعل ما وعدت به . كان ثمة شيء ما في مظهرها ... مظهر جعلها تبدو مختلفة عن معظم النساء؛ ربما كان هذا المظهر هو ما خدع مايكل الذي عادة ما كان يضع النساء في وضعهن المناسب.
ابتسم ابتسامة واسعة وهز رأسه، ثم استقل السيارة الفورد، وأدارها فأحدثت ضجة كبيرة، وانطلق صوب بوسطن. وبعد أن سار لمسافة صغيرة توقف مرة أخرى ونزل من السيارة، لأنه في غمرة انفعاله نسي أن يغلق غطاء محرك السيارة. •••
من اللحظة التي استدارت فيها أوليفيا وانطلقت بفرسها مبتعدة عن السيد جافين، عزمت على بذل قصارى جهدها للتصرف. رأت أن الحاجة كانت تدعو إلى ما هو أكثر من مجرد قول الحقيقة لتنظيم الفوضى المبهمة التي حلت على منزل عائلة بينتلاند؛ يجب أن يكون هناك أيضا تصرف ما. وكان الغضب الآن يتملكها، غضب شديد، حتى على السيد جافين لصفاقته، وعلى الشخص المجهول الذي كان مصدر معلوماته. وظلت الفكرة الغريبة، التي مفادها أن العمة كاسي أو آنسون كانا مسئولين بشكل أو بآخر عن هذا الأمر، احتمالا قائما؛ فتكتيكات كهذه كانت متوافقة تماما مع أساليبهما؛ أن يلجآ بأسلوب ميكيافيللي إلى رجل مثل جافين بدلا من مواجهتها مباشرة. فبالاستعانة بالسيد جافين لن تحدث جلبة، ولا خلاف محدد ليعكر حالة الافتتان المحيطة بعائلة بينتلاند. يمكنهم الاستمرار في التظاهر بأنه ليس ثمة خطب، وأن شيئا لم يحدث.
ولكن خوفها كان أقوى من غضبها؛ الخوف من أنهما ربما يستخدمان التكتيكات نفسها لإفساد سعادة سيبيل. كانت متيقنة من أنهما سيضحيان بأي شيء في سبيل إيمانهما بأنهما على صواب.
وجدت جان في المنزل عندما عادت، وبينما كانت تغلق باب غرفة الجلوس، قالت له: «جان، أريد التحدث معك لدقيقة ... على انفراد.»
अज्ञात पृष्ठ