أوراق1
شرعت منذ ساعتين أقلب أوراقي في خزانة كتبي وأرتبها، وأمزق ما لا أحتاج إليه. وأنا وأمثالي من الأوراق في جهاد دائم، إن أغضيت قليلا تراكمت على المكتب والكراسي، وكان منظرها هما، والتفكير فيها ألما، ونغصت علينا العمل، فلا بد أن يتعهد الإنسان أوراقه بين الحين والحين، وإلا غلبته وتراكمت حوله تراكم الهموم.
وفي طبعي إلف يدعوني إلى الاحتفاظ بأوراق لا غناء فيها، وكلما طال عليها الزمن، وبعد العهد بما فيها، زادت قربا إلى نفسي، وحبا إلى قلبي، وعزت على عزة الذكر القديمة، والحوادث التي تؤرخ الحياة الماضية.
وقد عثرت - وأنا ماض في نقد الأوراق وتمزيق بعضها، وقد غلبني التعب والملل، فهان علي تمزيق أوراق ضننت بها زمنا طويلا - على ظرف فيه وريقات شتى، فجلست بها أقلبها، وأتسلى بذكرياتها، فإذا هذه الوريقات تمثل تقلب الإنسان في هذه الدنيا بين أعمال مختلفة، وشواغل شتى إن جمع بعضها إلى بعض كانت مفارقات مضحكة، أو عظات مبكية.
هذه الوريقات في هذا الظرف الصغير ترجع إلى سفري في تركيا قبل تسع سنوات، فهذه أثبات فيها كتب تركية في موضوعات شتى، ومعها بيان أثمانها. بين هذه الكتب نسخة عربية مخطوطة من «أمثال الميداني»، ونسخة جليلة من «كتاب المثنوي» - أغلب الظن أنها كانت في يد العالم الشاعر والصوفي العظيم الشيخ عبد الرحمن الجامي - ذكرتني هذه الورقة بمجالس لي عند الوراقين في «حي بايزيد» من أحياء إسطنبول، وهو أحب أحيائها إلى نفسي.
وورقة أخرى فيها أسماء أربع عشرة من خزائن الكتب في هذه المدينة العظيمة «إسطنبول»، وقد دخلتها كلها، ونعمت بالقراءة والبحث عن الكتب القيمة فيها.
وأوراق أخرى من هذا الضرب الذي شغلنا في السفر والحضر، واليقظة والنوم.
وورقة فيها قطع من الشعر التركي خطها أديب عالم تركي ظفرت بصحبته في تلك الرحلة هو المرحوم «فريد بك». وكان - رحمه الله - متشائما كثير السخرية.
ومن هذه الأبيات، وأحسبها من نظمه:
كجدى دنيادن آداملق دوره سي
अज्ञात पृष्ठ