أَطْوَاقُ الحمَامَة في حَمل الصَّحابةِ عَلى السَّلامة
अज्ञात पृष्ठ
- بسم الله الرحمن الرحيم -
وبه ثقتي
مسألة: المختار سلامة أحوال الصحابة ﵃ من الكفر والفسق، لما ورد من الثناء عليهم من الله ورسوله ومن جهة المؤمنين وسائر الأئمة من أولاده ﵃. ونحن نورد ذلك على رتب ثلاث:
1 / 23
المرتبة الأولى: مما كان من جهة الرسول ﵌، وهي أمور خمسة:
أولها قوله ﵌: «احفظوني في أصحابي، فإن أحدكم لو ينفق ملء الأرض ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
وثانيها قوله ﵌: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا».
وثالثها قوله ﵌ في أبي بكر ﵁: «دعوا لي أخي وصاحبي الذي صدقني حين كذبني الناس».
1 / 24
ورابعها قوله ﵌: «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة».
وخامسها أنه أمر عند إقبال أبي بكر أن يُبشر بالجنة، وأمر أيضا أن يبشر عمر بالجنة.
فهذه الأخبار كلها دالة على سلامة حالهما وبشارتهما بالجنة. وغيرها من الأخبار التي يكثر عددها في تزكية أحوالهم وصحة أديانهم.
المرتبة الثانية: ما كان من جهة أمير المؤمنين ﵁. وذلك على وجهين إجمالي وتفصيلي.
أما الإجمال، فما كان من المناصرة والمعاضدة لأبي بكر في أيام قتال أهل الردة وغيرها، ثم ما كان منه في أيام عمر من المشورة
1 / 25
والإعانة والخروج معهم وأخذ نصيبه من الفيء. وقد قيل إن محمد ابن الحنفية ما كانت أمه إلا سبية من بني حنيفة من أهل الردة،
1 / 26
استولدها أمير المؤمنين فجاءت بمحمد. وما كان من تعظيمه لهم وإكبارهم ومعاملته لهم بالمودة والمناصرة والموالاة. ولم يعاملهم معاملة أهل الردة ولا معاملة الفساق أصلا. وهذا أمر ظاهر لا يخفى على مسلم. فهذا على وجه الجملة.
1 / 27
وأما وجه التفصيل:
أولها ما روى سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر، فدخلت على أمير المؤمنين فحكيت له ذلك وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر لهم شيئا مثل الذي أعلنوا به ما اجترؤوا على ذلك. فقال ﵁: أعوذ بالله أن أضمر لهما شيئا إلا الجميل الحسن، أخوا رسول الله ﵌ وصاحباه ووزيراه، ثم نهض باكيا واتكأ على يدي وخرج وصعد المنبر وجلس ثم خطب وقال: ما بال قوم يذكرون سيدي قريش بما أنا عنه منزه، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لا يحبهما إلا مؤمن ولا يبغضهما إلا فاجر، صحبا رسول الله ﵌ على الوفاء والصدق.
1 / 28
ثم أطال في مدحهما وتهدد من يعود إلى الوقيعة فيهما، ثم قال في آخر الخطبة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، والله أعلم بالخير أين هو - يشير بذلك إلى نفسه.
وثانيها ما رواه جعفر بن محمد الصادق عن جده أن رجلا من قريش جاء إلى أمير المؤمنين ﵁ فقال: أسمعك تقول: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين، من هم؟ قال: حبيباي أبو بكر وعمر وإماما الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش والمقتدى بهما بعد رسول الله ﵌، من اقتدى بهما عصم ومن اهتدى بهما هدي إلى صراط مستقيم.
وثالثها أن سئل ﵁ عن عمر فقال: رجل ناصح الله فنصحه، وسئل عن أبي بكر فقال: كان أواها منيبا.
1 / 29
ورابعها ما رواه جعفر بن محمد عن آبائه أنه لما قُتل عمر وكفن وحنط دخل عليه أمير المؤمنين ﵁ فقال: ما على وجه الأرض أحد أحب أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى، وكان قد سُجي بثوب.
وخامسها قوله ﵁: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت لقلت الثالث، يشير إلى نفسه.
1 / 30
وسادسها أنه لم حضرته الوفاة قالوا: ألا توصي يا أمير المؤمنين؟ قال: ما أوصى رسول الله ﵌ فأوصي، ولكن إن أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم [كما جمعهم على خيرهم] بعد نبيهم أبو بكر.
فهذه الوجوه كلها وغيرها دالة على تحسين الظن من جهته بهم.
نعم، أما ما كان في صدره ﵁ من الوحشة والازورار من أجل استبدادهم بأمر كان هو أولى به وأحق لقربه من رسول الله ﵌ واختصاصه بما لم يختص به أحد من الخليقة فهذا أمر لا ينكر ولا يمكن دفعه، لكن لم يمنعه ذلك من الموالاة والذكر الجميل وحسن السيرة معهم وجميل الحديث في حقهم للروايات التي ذكرناها عنهم.
1 / 31
المرتبة الثالثة: هو ما كان من جهة أولاده ﵃ من الثناء الجميل والذكر الحسن. ونحن ننقل الروايات التي نقلها العلماء عنهم على الصحة، وجملتها تسع.
الأولى حال الحسن والحسين ﵄. والمنقول من حالهما كحال أمير المؤمنين ﵁ في الموالاة وإظهار القول الجميل. ولم يرو أحد من [أهل] النقل عنهما طعنا ولا لعنا ولا فسقا ولا كفرا ولا شينا، بل السيرة الحسنة.
ولقد روي أن عمر ﵁ لما وضع الديوان وفرض لكل من المهاجرين والأنصار ﵃ نصيبا في بيت المال وفرض للحسن والحسين ﵄ ألوفا من بيت المال، ثم فرض لعبد الله بن عمر أقل من نصيبهما، فأتى إلى أبيه فقال: لم فرضت نصيبي دون حقهما؟ فقال له عمر: ائتني بجد مثل جدهما وبأب مثل أبيهما وبأم مثل أمهما وبعم مثل عمهما، فسكت عبد الله وانصرف. فدل ما ذكره على تعظيم كل أحد منهم لصاحبه واعترافه بحقه.
1 / 32
والرواية الثانية ما كان من علي بن الحسين ﵃. والمعلوم من حاله الذكر الحسن في حقهما والمحبة والمودة. وقد روى عنه زيد بن علي ﵁ أنه قال: كذب من ادعى أن أبي كان تبرأ من الشيخين. ثم قال للرواي الذي روى عن أبيه: يا راوي، إن أبي كان يحميني من كل شر وآفة حتى اللقمة الحارة، أفترى أن إسلامك ودينك لا يتم إلا بالتبري منهما وأهملني من غير تعريف ذلك إياي، لا تكذب على أبي.
الرواية الثالثة حال زيد بن علي ﵁. والمعلوم من حاله أنه كان شديد المحبة لهما والموالاة وأنه كان ينهى عن سبهما ويعاقب عليه.
روي
1 / 33
أنه لما بايعه أهل الكوفة ثم دعاهم إلى نصرته قالوا: إنا لا نبايعك ولا ننصرك حتى تتبرأ من الصحابة، فقال: كيف أتبرأ منهما وهما صهرا جدي ووزيراه -لأن عائشة وحفصة كانتا تحت رسول الله ﵌ زوجتيه، ويعني بالوزيرين لأن رسول الله ﵌ قال: «هما وزيراي» - فلما أنكر
1 / 34
التبرؤ منهما رفضوه، فمن أجل ذلك سُمّوا روافض.
وروي عن زيد ﵁ أنه كان يترحم عليهما. وروي أيضا أنه قال: كان أبي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه منزلته من رسول الله ﵌ منزلة هارون من موسى ﵉ والصلاة إذ قال له: ﴿وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ فألزق كلكله [بالأرض] ما رأى صلاحا، فلما رأى الفساد بسط يده وشهر سيفه ودعا إلى ربه، وتبين أنه كان خليفة رسول الله ﵌ كما أن هارون خليفة موسى.
1 / 35
وإنما توقف لأن ما كان من القوم كان شرعا وصلاحا، وأنه لما رأى الفساد لم يتوقف بل أنكر وشهر سيفه كما فعل في أهل الجمل والنهروان وصفين.
هذا كله كلام زيد بن علي ﵃، كما حكاه الشيخ العالم أحمد بن [أبي] الحسن الكني.
الرواية الرابعة عن عبد الله بن الحسن وأولاده محمد بن
1 / 36
عبد الله النفس الزكية وأخويه إبراهيم ويحيى ابني عبد الله أنهم كانوا لا يتبرؤون بل يسيرون فيهما سيرة آبائهم، ولم يظهر منهم تكفير ولا تفسيق ولا لعن.
وناهيك بهذا، فإن هؤلاء الأئمة قال بإمامتهم أكابر المعتزلة ورؤسائهم كعمرو بن عبيد وبشير الرحال
1 / 37
والجاحظ وغيرهم ممن كان في عصرهم. ولو ظهر من هؤلاء إكفار وتفسيق للصحابة لم يقل هؤلاء بإمامتهم لاعتقادهم لأمانة الصحابة ﵃ وإعظامهم أمرهم. وهكذا القول في معتزلة بغداد، فإنهم يفتخرون بإمامة الزيدية، فلو كان هؤلاء الأئمة يعتقدون فسق الصحابة لم يتابعوهم ولا قالوا بإمامتهم.
الرواية الخامسة عن جعفر بن محمد ﵄. فإنه كان شديد المحبة لهما. وقد روي أنه لما سئل عن أبي بكر فقال: ما أقول في رجل أولدني
1 / 38
مرتين. يعني أن أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها أيضا هي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. فلهذا قال: ولدني مرتين. وقد روى عنه الخلق الكثير أنه كان يترحم عليهما، هكذا ذكره الشيخ أبو القاسم البستي.
الرواية السادسة عن القاسم بن إبراهيم ﵄. وقد روي عنه أنه لما سئل عنهما قال: ﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم﴾ وهذا يدل على ترك الطعن واللعن ووكول أمرهم إلى الله، وهذه هي السلامة.
وقد روي عنه أيضا أنه كان ينكر إيذاءهما ويسخط ولا يرضى بقول الرافضة فيفرط، وهو تصريح بتحريم الأذية والسب.
1 / 39
الرواية السابعة عن الناصر للحق الحسن بن علي ﵄. روى الصاحب الكافي إسماعيل بن عباد أنه قال: أنا عندي بخط الناصر للحق الترحم علهيما.
وعن القاضي أبي بكر -وكان منصوبا من جهة السيد المؤيد بالله، استقضاه على بعض النواحي- قال: سمعت عن الشيخ حسين [الصوفي] وكان له نيف وسبعون سنة يقول: سمعت نيفا وسبعين شخصا ممن حضر مجلس الناصر للحق قالوا: أملى الإمام الناصر للحق شيئا عن الشيخين أبي بكر وعمر ثم قال: ﵄، فكفّ المستملي أن يكتب ﵄، وكان الإمام ينظر إليه فزجره
1 / 40
وقال له: لم لا تكتب ﵄، فإن هذا العلم لم يورث إلا عنهما وعن أمثالهما.
وعن الشيخ أحمد بن أبي الحسن الكني أن الموجود في كتاب الإمامة للناصر الحق في آخر باب من أبوابها قال فيه: ولم أصف ما وصفت من اعتراضهم بما اعترضوا إرادة لدفع فضل أبي بكر ﵁ عما خصه الله به من بعد علي بن أبي طالب ﵃، وإني لعارف بحقه وصحبته لرسول الله ﵌ وتقدم إسلامه على من أسلم بعده وإني لمحب له، والحمد لله وحده.
وهذا كله كلامه بألفاظه. فمن كان هذا كلامه في أيام ولايته وولاية بني عمه كالحسن بن زيد ومحمد بن زيد من غير تقية وخوف، كيف يقال إن مذهبه في حقهم التفسيق والإكفار.
1 / 41