وأما تأخير الله في الكلام القديم؛ فليتصل بما ذكره بعده مما يتعلق به، قال الشارح: وقدم الحمد لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به، وإن كان ذكر الله أهم في نفسه، وأورد عليه أن الحمد مجموع قول القائل: الحمد لله، ولا اختصاص بالحمد لكلمة الحمد، بل جزأ الجملة متساوية النسبة إلى الحمد، ويمكن أن يدفع بأن للحمد اختصاصا غير الجزئية باعتبار صدق مفهومه على هذا الحد. (على ما أنعم) تعليل لإنشاء الحمد، و (على) تعليلية كما في قوله تعالى: ولتكبروا الله على ما هداكم (¬1) أي لما هداكم، و (ما) حرفية مصدرية لا اسمية موصولة، أو موصوفة إما لفظا فلاحتياج الاسمية إلى تقدير العائد في المعطوف بتكلف، أي:
وعلم به من البيان ما لم نعلم، فيكون من البيان بيان ما لم نعلم، ويكون ما علم به عبارة عما يتوقف عليه التعليم من الشعور وغيره، أو: وعلمه من البيان وقت عدم العلم بأن يكون ما لم نعلم مصدرا حينيا، لا للاحتياج في المعطوف هو عليه إلى التقدير كما ذكره الشارح المحقق؛ لأن احتياج أنعم إلى التقدير أو التنزيل منزلة اللازم لا يندفع بجعل ما مصدرية، وما ذكره الشارح أيضا في التقدير في المعطوف متعذر لكون (ما لم نعلم) مفعوله، وجعله بدلا من الضمير- تعسف؛ وكذا جعله خبر مبتدأ محذوف أو مفعول أعني فمذهول عما ذكرناه.
وإما معنى؛ فلأن الحمد على ما قام بالمنعم أمكن من الحمد على ما يتعلق به ما قام به من نفس النعم إما لأن دعوة النعمة إلى حمد المنعم لارتباطها به بواسطة الإنعام، بخلاف الإنعام، فإنه مرتبط به بنفسه، وإما لأنه أدخل في الإخلاص لأن النظر في النعمة على وصوله إلى العبد بخلاف الإنعام، فإن النظر فيه على إحضار كمال المحمود، ولتجريد النظر عن شوب الالتفات إلى ما يصل إليه، والمبالغة في قصر النظر على الكمال لم يتعرض للمنعم به.
ثم بعد الحمد على الإنعام أراد الحمد على ما هو مدار الحمد من البيان تنبيها على أن الحمد أيضا مما يوجب الحمد، لما يشتمل عليه من جلائل النعم؛ فلا يكون الخروج عن عهدته مقدورا، فعطف على أنعم ما اندرج تحته فقال:
पृष्ठ 138