وحدث وأنا عائد إلى سينيا في الطرف الآخر من الحجرة أن قام شاب وبش كان يرقب ما حدث، وصاح صيحة تنم عن الخبث والسفالة: «انظروا أيها الرفاق ها هو ذا أبو المولود!»
وكان أطول مني قامة بحيث لا يعلو رأسي عن كتفيه، عريض العظام، تبدو عليه مظاهر القوة والغلظة، ولكن الإنسان إذا غضب لا يحسب للعواقب حسابا، فاندفعت نحوه وضربته ضربة قوية، وما كان أشد دهشتي حين رأيته ملقى على الأرض، وعرف من لغط الحاضرين أنهم كانوا في صفي، فقام من فوق الأرض في هدوء، ومسح الدم الذي كان تحت أنفه، وعاد إلى حيث كان متاعه.
ولم يستقبل فاتح منتصر بأحسن مما استقبل به الشاب فكتور حين جاء إلى بيته، يرزح تحت عبء كيس من الطعام. وقمت في الشهور التالية بعدة رحلات في القطار وعلى ظهور الخيل، وكان صليب جدتي الذهبي آخر ما بعناه من كنوز الأسرة، فقد ظللنا محتفظين به طالما بقي لدينا شيء من الأمل بأنا نستطيع العيش دون أن نفرط فيه، ثم جاءنا العون بعد ذلك من أمريكا على يد جماعة الإخوان «الكويكريين»
1
وإدارة الإنقاذ الأمريكية التي أنشأها الرئيس هوفر وغيرهما من الجماعات، ولكن معظم هذه المساعدات كان يذهب إلى إقليم الفلجا، أما أوكرانيا فكانت على أبواب حصاد جديد، ثم عادت الحياة فيها ببطء إلى مجراها المألوف.
وعدت أنا إلى دكتي في حانوت صانع الأقفال في كربينو.
الفصل الرابع
الشباب في الجيش الأحمر
وجاء المحصول الجديد موفورا في صيف عام 1922م، وتجدد في صدور الناس أملهم في الحياة وحرصهم عليها، ودفنوا موتاهم وكانوا يعدون بالملايين، ولم يعد أحد منهم يذكر الكارثة التي حلت بالشعب كأنهم أخذوا على أنفسهم عهدا صامتا بألا يشيروا قط إليها، أو كأنها كابوس ليل لا يكادون يذكرونه إذا طلع النهار.
وحملت أشجار البستان في «دق الأجراس» حملا ثقيلا من الفاكهة، وامتلأت البركة سمكا، وهب النسيم من نهر دنيبر على حقول القمح يداعب سنابلها الذهبية، وعادت العذارى الأوكرانيات إلى الغناء جماعات في موسم الحصاد الجديد، ولشد ما اغتبطت لأني بلغت السابعة عشرة إلا قليلا، وقد خط شاربي، وأصبحت أستحي فجأة إذا شاهدت البنات، بعد أن لم أكن أعبأ بهن في الأمس القريب.
अज्ञात पृष्ठ