إني لأعلم أن الموت يرتقب
من يجعل من نفسه طليعة النهوض
ضد الطاغية الذي بغى بالشعب
وأعلم أن قد حم في القضاء
سأموت في سبيل وطني الحبيب
إني لأعلم ذلك وأحسه ...
وكأنما تبدلت سحنته وهو يقلص وجهه إذ هو ينشد هذه الكلمات، فبدا كأنه شخص من شخوص «دستويفسكي» أو «جوركي»، تلك الشخوص التي تعرفها في مناظر الثورة الرائعة من قصص هذين الكاتبين، بدا كأنه شخص من تلك الشخوص دبت فيه الحياة، وعلى الرغم من أن ما شهدته عندئذ كانت له في النفس روعة توحي بما توحي، فقد شعرت مع ذلك بأسف عميق إذ أبحت لنفسي أن أنساق إلى هذا الاجتماع، فقد كانت تسوده روح من السذاجة التي بلغت حدا توجست منه خيفة، ولم يكن في اتجاهه عمليا ولا مفيدا، لا بل إنني لم أفهم قط فيم انعقد هذا الاجتماع، ولقد حدث أن قرئ لنا فيه كتيب صغير صادرته الحكومة، بقلم رجل من أعلام المعارضين - هو «سلبكوف» - فطبعت منه نسخ على الآلة الكاتبة كهذه النسخة التي قرئت لنا، وكان فيها هجوم عنيف على طاغية الكرملن وعصابته، فكان ما سمعته من هذه الرسالة هو ما كسبته في هذا الاجتماع العجيب من علم مفيد، ولم أدر كيف استطاع «أندراي» أن يحصل على هذه الرسالة الخطيرة، ومهما يكن من أمر، فمجرد قراءتها - لو علمت الشرطة السرية بذلك - كان كفيلا أن يطوح بي إلى مطارح النفي في سيبيريا.
وانفض اجتماعنا عند مطلع الفجر، فلم أتبين فداحة ما أقدمت عليه إلا حين خرجت في ضوء الصباح الشاحب، أخب في الطريق المثلوج، لقد كنت واحدا من جماعة متآمرة طالما قضى أمثالها على ألوف الطلاب في أرجاء الروسيا، فسلبتهم الحرية أو حرمتهم الحياة بأسرها، فلو علم السلطان طرفا من الأمر لكان في ذلك قضائي المحتوم، ومع ذلك فقد أخذت صبح ذلك اليوم في المعهد أبحث عن «أندراي» ورأيتني منجذبا إليه بسبب ما نستهدف له من الخطر، لا على الرغم منه، فقد كنت مشوقا أن أعلم من هؤلاء الذين أشار إليهم ليلة أمس بكلمة «نحن» وظل يتحدث عنهم طيلة الليل.
وما بلغت الساعة الواحدة حتى طلب إلي الذهاب إلى مكتب الحزب، فوجدت هناك غيري من الناس وبينهم «م» وتجهم أمين سر الحزب وهو يغلق من دوننا الباب ويتجه بنظره إلينا، فتوقعت من الأمور شرها.
قال: «أيها الرفاق، إن ما لدي لخبرا محزنا، وآثرت أن أنبئكم به في غير إبطاء، وذلك أن رفيقا من أعز رفقائنا علينا قد أزهق نفسه بيده هذا الصباح في غرفته، وقد يكون دافعه إلى ذلك هو الحب، أو غير ذلك من مآسي الحياة.»
अज्ञात पृष्ठ