136

आज़ादी का असर

آثرت الحرية

शैलियों

قالت «إلينا»: «هذه ليلة زواجنا يا فكتور، فأنا أحبك بكل قلبي ونفسي، وأرجو أن تصدقني إذا ما قلت: إنك الرجل الأول والرجل الأوحد الذي التقيت به في حياتي منذ ذهب عن فؤادي حبي لزوجي.»

مضت شهور و«إلينا» ما فتئت تزورنا في دارنا حتى كادت تصبح فردا من الأسرة، وكان أبواي وإخوتي يجلونها إجلالا لما كان يحيط بها من هالة مجد تشع النور إشعاعا في نفوس أهلي جميعا، ورغم ذلك كله لم أكد أخلو من قلق مقض لعلمي أن جزءا هاما من حياتها ما زال عني خبيئا، وكان يخيل إلي أحيانا أنها تعيش في حالة من الهلع الذي لا ينقضي، كأنما كانت تسكن من هذه الدنيا دارا توازن بنيانها على شفا هاوية توازنا قد يختل لأضعف المؤثرات فتهوي بها في القرار.

وذات يوم وجد هذا الهم الحائر في نفسي بؤرة يتركز فيها، ولقد عللت لها ريبتي بأنها قلق مني على سعادتها، لكنها كانت ريبة ترجع في أكثرها إلى غيرة الرجال المألوفة على من أحبوا من نساء.

ذلك أنه حدث ذات عصر بعد أن فرغت من محاضراتي أن صحبت طائفة من زملائي في الدراسة إلى مباراة في كرة القدم كانت تجري في ملعب المدينة، فلما أن انتصف وقت اللعب بفترة من الراحة اندفعنا مسرعين إلى المقصف لنجرع أكواب الجعة، فوجدنا - كما هي الحال دائما - صفا طويلا من المنتظرين أمام النضد، وأخذنا من الصف مكاننا، وبينا أنا واقف في الصف أرسل نظرات هائمة خلال الباب إلى مطعم ملاصق، إذا وقع بصري على «إلينا» وقد تأنقت في ثيابها تجالس رجلين لم أشك في أنهما أجنبيان عن البلاد، وكان ثلاثتهم يشربون النبيذ ويسمرون في مرح، وخيل إلي أن الرجلين ينظران إلى «إلينا» نظرات فيها جرأة وشهوة.

وبقيت في الملعب حتى انتهى اللعب، لكني لم أشهد منه شيئا.

ماذا كانت «إلينا» تصنع في صحبة هذين الأجنبيين؟ ولما انتهى اللعب رأيتها تغادر الملعب محروسة بذينك الرجلين، وركبوا جميعا سيارة أجنبية كبيرة، فظللت بقية اليوم تائه الفكر ولم يغمض جفناي طيلة الليل.

وفي اليوم التالي قدمت «إلينا» إلى داري للعشاء كسابق اتفاقنا، فحدجت فيها بصري ونحن جالسان إلى مائدة الطعام، لكني لم أعثر فيها على علامة واحدة تنم عن التحول، أيكون هذا الاتصال بالأجانب - وهو أمر خطير في بلادنا - جانبا مألوفا لها في حياتها بحيث لا تتأثر له؟ ولما خلا لنا المكان ذكرت في سياق الحديث العابر أنها كانت في مباراة كرة القدم في اليوم السابق.

قالت: «طلب إلي رئيس مكتبي أن أصاحب زائرين إلى هناك، يا لهما من ثقيلين!»

لم أنبس بكلمة عن رؤيتي لها في الملعب، ولما غادرت غرفتي ذاهبة إلى المطبخ لحظت حقيبتها مفتوحة ولمحت فيها أوراقا، وكانت نار الغيرة والشك لا تزال تتأجج في صدري فعبرت بنظري عبورا سريعا على تلك الأوراق، فوجدت ورقة منها مكتوبة بالألمانية، وعرفت - على جهلي بالألمانية - أنها تحوي أشياء فنية وإشارات إلى مقاييس وآلات، وكانت الورقة الأخرى مكتوبة بالروسية، تبدأ بالعبارة الآتية: «إذ أرسل إليكم طي هذا الخطاب تقريرا فيه المعلومات، أود أن أذكر ...» هنا سمعت وقع خطاها قادمة فأعدت الأوراق مكانها مسرعا.

لم يعد عندي مجال للشك في أن لهذه الأوراق صلة ما بذينك الأجنبيين، وأن القصة كلها إنما تشتمل على مفتاح سر حياتها الغامض، فلما أن افترقنا في ساعة متأخرة من ذلك المساء سألتها متى يكون لقاؤنا التالي.

अज्ञात पृष्ठ