ثم أمسكت أنا بإحدى يدي جدتنا وأمسك قنسطنطين بالأخرى، ونحن بملابس النوم الطويلة لم نصح تماما من نومنا، وقد أخذت منا الحيرة كل مأخذ، وسارت بنا إلى حجرة الاستقبال، وعيناي لا تقويان على النظر إلى الضوء وإلى الجمع المحتشد فيها، وكان بين هذا الجمع أحد أصدقاء الأسرة، أما الباقون فكانوا غرباء في حلل رسمية.
وكانت الشموع لا تزال موقدة فوق شجرة عيد الميلاد، ولكن أمي أخذت تبكي في غير صوت وهي تضع الملابس في حقيبة، ثم تأخذ بابشكا بيدينا وتقودنا إلى حيث كان المصباح المقدس في الركن الذي كانت به صورة المسيح، فنخر معها راكعين، وتخافت هي بالصلاة ثم تسجد على الأرض، ويأتي رجل أعرف أنه أبي فيرفعني ويضمني إلى صدره بقوة، ويقبلني أكثر من مرة، ولكنه في هذه الليلة يبدو في نظري غريبا، فيخيل إلي أن وجهه عار قد أزيلت منه لحيته وشارباه التي تعودت أن أراها، ثم يرفع كوتيا من ذراعيه ويقبله، ثم تقودنا جدتنا إلى خارج الحجرة.
وأرى عند الباب - ولسبب لا أعلمه يبقى هذا الجزء من الصورة ماثلا أمامي أكثر من أي جزء آخر منها - شرطيا ضخما ملتحيا ذا أشرطة كثيرة على حلته يصرخ في غير حياء وتنحدر الدموع الكبيرة فوق شاربيه المرتجفين.
وعرفت فيما بعد أن أبي كان مختفيا، وأنه اعتزم أن يزور أسرته في ليلة عيد الميلاد، وكان رجال الشرطة يعرفون من تجاربهم الخاصة أن الفارين يعرضون أنفسهم في بعض الأحيان لخطر القبض عليهم باجتماعهم بأحبابهم في مثل هذه الأعياد الهامة، فانقضوا على بيتنا، ثم أخذوا يفتشون الدار، وأتاحوا للثائر ساعة من الزمان يحزم فيها متاعه قبل أن يرحلوا به.
وهناك صفحة أخرى في سجل طفولتي الخاص كثيرا ما أقلبها:
يقبل علينا ذات مساء ونحن جلوس حول مائدة العشاء طالب علم طويل القامة بهي الطلعة، وتملأ له أمي قدح شاي من الغلاية الكبيرة البراقة، وأدرك أنا من ارتجاف يدها واهتزاز قدح الشاي أن الشاب يحدثها عن شيء ذي بال.
فهو يقول لها إن كل شيء قد أعد للفرار من السجن في تلك الليلة، وإن أندراي فيودوروفتش سيكون في منزله قبل منتصف الليل إذا لم تحدث عراقيل ليست في الحسبان، ولكنه لن يقيم في المنزل أكثر من بضع دقائق، وإن من واجب والدتي أن تعد له بعض الأشياء اللازمة لرحلته، وإنه قد أعد له مخبأ في إيكترنوسلاف، وجهز له ما يحتاجه من أوراق تحقيق الشخصية.
وقد أسفنا كل الأسف لأنا ألقينا كلنا على فراش النوم قبل أن نعرف خاتمة هذه القصة المثيرة.
وأكثرت أمي هي وبابشكا من البكاء في اليوم الثاني، وأخذت كلتاهما تعزي الأخرى، ثم تعودان إلى البكاء، وجاء طالب العلم الطويل أكثر من مرة وهو ممتقع الوجه، مفعم القلب بالحزن، يحمل لهما آخر الأنباء.
وتبين أن المؤامرة المدبرة للفرار من سجن إيكترنوسلاف قد باءت بفشل ذريع، وكان سبب فشلها من غير شك أن كان بين مثيري الفتنة جاسوس، وأدى الاضطراب إلى قتل عدد من الحراس وكثير من المسجونين، وسرعان ما غلب المتمردون على أمرهم وإن كانوا قد استطاعوا أن يحصلوا على عدد قليل من الخناجر والمسدسات، هربت إليهم خلال الأسابيع الطويلة التي قضوها في إعداد عدتهم، وقد خلدت المذبحة التي وقعت في تلك الليلة هي وهزيمة المسجونين السياسيين في تاريخ الثورات الروسية.
अज्ञात पृष्ठ