هنا تصبب العرق البارد من جبيني، فالسلوك الذي سلكه «تسارف» في الريف، بل وألفاظه بنصها، تذكرني بما سلكت وما نطقت.
واتجه الرئيس نحوه قائلا: «تسارف، ألا تزال تنفي عن نفسك الخروج على مبادئ الحزب؟» - «نعم، وإنهم ليبالغون، أضف إلى ذلك أن النقد ليس بالضرورة خروجا على الحزب، فلست إلا إنسانا من البشر، وقد كان حولي من صنوف الألم ألوان وأشكال.»
فصاح «جالمبو» ليسكته خشية أن يقول ما لا ينبغي أن يقال: «إن من يضمرون الولاء من أعضاء الحزب يثقون بلجنتهم المركزية وزعيمنا المحبوب الرفيق ستالين.» فصفق هنا الحاضرون، «إن الحزب لا يفسح من صدره مكانا لأمثالك ممن تبلغ بهم القحة أن ينكروا أخطاءهم.» وهنا صفق الحاضرون مرة أخرى، «مطرود.»
فصاح «تسارف» قائلا: «سأرفع شكاتي إلى اللجنة المركزية، إن صحيفتي إبان الحرب لتعلن عن مجدها، وأصبت نجاحا فيما وكل إلي في الريف من مهام، لقد أرقت دمي في سبيل الثورة، وليس لكم الآن أن تقوضوا بنيان حياتي.»
ولكن أعضاء اللجنة أداروا لهذا القول آذانا صماء، وأخذوا يعدون ملفات القضية التالية، كان «تسارف» في المعهد مقربا إلى القلوب جميعا، أما الآن فهم يجتنبونه، إذ هو يغادر المنصة، إنه يوشك ألا يصدق ما قد حدث، ما قد حدث له وهو من هو بين سائر الناس!
وتلاه على المنصة «ديخوفتسف» الذي جعل يشتغل بيديه عاملا منذ أن كان في الثامنة من عمره وأصبح رئيسا لطائفة من العمال، ثم وقع عليه الاختيار من بين «الألوف» ليكون مهندسا، ولقد جاء حديثه الآن بحيث يترك في السامعين أعمق الأثر، وكانت إجاباته عن الأسئلة السياسية التي وجهت إليه، وعن الأسئلة التي أريد بها اصطياده في الفخ فيما يتعلق بالحزب وتاريخه، كانت إجاباته كلها بغير شائبة تشوبها.
سأله «جالمبو» سؤالا كأنما هو عابر: «هل أنت متزوج أيها الرفيق ديخوفتسف؟» - «نعم!» - «متى تزوجت؟ ومن زوجتك؟» - «تزوجت في العام الماضي، وزوجتي ابنة وراق ، وهي تشتغل الآن بصناعة التمريض في أحد المستشفيات.» - «قل لي: هل سجلت زواجك أو لم تسجله؟ بعبارة أخرى: كيف جعلت من زواجك زواجا شرعيا؟»
احمر وجه «ديخوفتسف» وأخذ يتململ في ارتباك وحيرة، ثم أشرقت عليه فجأة علة التماس هذا السؤال، واشرأبت أعناق النظارة وأرهفت منهم الآذان، وساد المكان سكون تام، وأخيرا تكلم المتهم بصوت خافت، فاعترف بالحقيقة المروعة.
قال مطأطئ الرأس: «تزوجت في الكنيسة.»
وبهذا القول انفجر الصخب من جوف السكون السائد، إذ ضحكت النظارة في قهقهة اهتزت لها أجسادهم.
अज्ञात पृष्ठ