At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
शैलियों
(١) قَالَ الشَّيخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن ﵀ فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (٢٧١/ ١): (هَذِهِ المِسْأَلَةُ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ (قرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا) يَقْتَضِيْ أنَّهُ فَعَلَهُ قَاصِدًا التَّقَرُّبَ (وَلَيْسَ كَقَوْلِ المُصَنِّفِ لَمْ يَقْصِدْهُ)، أَمَّا لَو فَعَلَهُ تَخَلُّصًا مِنْ شَرِّهِم؛ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِعَدَمِ قَصْدِ التَّقَرُّبِ). (٢) قُلْتُ: وَلَا أَظُنُّ أَنَّ الشَّيْخَ المُصَنِّفَ ﵀ قَصَدَ ظَاهِرَ الكَلَامِ - مِنْ جِهَةِ تَكْفِيْرِ مَنْ فَعَلَ الكُفْرَ دُوْنَ قَصْدٍ مُطْلَقًا - وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: ١ - أَنَّ المُصَنِّفَ ﵀ قَالَ فِي المَسْأَلِةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ نَفْسِ البَابِ: (مَعْرِفَةُ أَنَّ عَمَلَ القَلْبِ هُوَ المَقْصُوْدُ الأَعْظَمُ؛ حَتَّى عِنْدَ عَبَدَةِ الأَصْنَامِ). ٢ - قَوْلِ شُرَّاحِ الكِتَابِ الأَئِمَّةِ المَعْرُوْفِيْنَ بِمَعْرِفَةِ مَنْهَجِ الشَّيْخِ ﵀ (كَصَاحِبِ فَتْحِ المَجِيدِ، وَابْنِ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَتِهِ): (أَنَّهُ دَخَلَ النَّارَ بِسَبَبٍ لَمْ يَقْصِدْهُ ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ تَخَلُّصًا مِنْ شَرِّ أَهْلِ الصَّنَمِ)، حَيثُ أَضَافُوا لَفْظَةَ - ابْتِدَاءً - لِبَيَانِ أَنَّهُ انْتِهَاءً قَد قَصَدَ الكُفْرَ بِنَفْسِهِ؛ وَأَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بِهِ. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ مَا وَجَّهْتُهُ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - قَوْلُهُ ﵀ فِي تَفْسِيْرِ آيَةِ سُوْرَةِ النَّحْلِ ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيْمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيْمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ﴾ (النَّحْل:١٠٦): (أَنَّ الرُّخْصَةَ لِمَنْ جَمَعَ بَينَهُمَا، خِلَافَ المُكْرَهِ فَقَط) حَيْثُ جَعَلَ ﵀ مُجَرَّدَ الإِكْرَاهِ لَيْسِ بِعُذْرٍ حَتَّى يُضَافَ إِلَيْهِ الاطْمِئْنَانُ بِالإيْمَانِ. انْظُرْ كِتَابَ (تَفْسِيْرِ آيَاتٍ مِنَ القُرآنِ الكَريمِ (مَطْبُوعٌ ضِمْنَ مُؤَلَّفَاتِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ، الجُزْءُ الخَامِسُ». وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوْفِيْقِهِ. (٣) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٤٨٩/ ٣): (وَقَدْ كَانَتِ الأُمَمُ الَّذِيْنَ كَانُوا قَبْلَنَا؛ فِي شَرَائِعِهِم ضِيْقٌ عَلَيْهِم، فَوَسَّعَ اللهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أُمُوْرَهَا، وَسَهَّلَهَا لَهُمْ). (٤) صَحِيْحٌ. البَيْهَقِيُّ فِي الكُبْرَى (١١٤٥٤) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٧١١٠). (٥) قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الأَمِيْنُ الشَّنْقِيْطِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (أَضْوَاءُ البَيَانِ فِي إِيْضَاحِ القُرْآنِ بِالقُرْآنِ) (٢٥١/ ٣) - عِنْدَ تَفْسِيْرِ سُوْرَةِ الكَهْفِ -: (أَخَذَ بَعْضُ العُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيْمَةِ أَنَّ العُذْرَ بِالإِكْرَاهِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ عَنْ أَصْحَابِ الكَهْفِ ﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾ ظَاهِرٌ فِي إِكْرَاهِهِم عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ طَواعيَّتِهِم، وَمَعْ هَذَا قَالَ عَنْهُم: ﴿وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الإِكْرَاهَ لَيْسَ بِعُذْرٍ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا المَعْنَى حَدِيْثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ فِي الَّذِيْ دَخَلَ النَّار فِي ذُبَابٍ قَرَّبَهُ مَعَ الإِكْرَاهِ بِالخَوْفِ مِنَ القَتْلِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ الَّذِيْ امتنعَ أنْ يُقَرِّبَ - وَلَوْ ذُبَابًا - قَتَلُوْهُ. وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا دَلِيْلُ الخِطَابِ، أَيْ: مَفْهُوْمُ المُخَالَفَةِ فِي قَوْلِهِ ﷺ: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِيْ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)، فَإِنَّهُ يُفهَمُ مِنْ قَوْلِهِ (تَجَاوَزَ لِيْ عَنْ أُمَّتِي) أَنَّ غَيْرَ أُمَّتِهِ مِنَ الأُمَمِ لَمْ يُتَجَاوَزْ لَهُم عَنْ ذَلِكَ). (٦) قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي الضَّعِيْفَةِ (٥٨٢٩): (وَبِالجُمْلَةِ؛ فَالحَدِيْثُ صَحِيْحٌ مَوْقُوْفًا عَلَى سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ ﵁، إِلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ لِيْ أَنَّهُ مِنَ الإِسْرَائِيْلِيَّاتِ الَّتِيْ كَانَ تَلَقَّاهَا عَنْ أَسْيِادِهِ حِيْنَمَا كَانَ نَصْرَانِيًّا. هَذَا؛ وَإِنِّيْ لَأَسْتَنْكِرُ مِنْ هَذَا الحَدِيْثِ: دُخُوْلَ الرَّجُلِ النَّارَ فِي ذُبَابٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ القَتْلِ الَّذِيْ وَقَعَ لِصَاحِبِهِ، كَمَا أَنَّنِي اسْتَنْكَرْتُ قَوْلَ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ فِي المَسْأَلَةِ الحَادِيَةَ عَشَرةَ (أَنَّ الَّذِيْ دَخَلَ النَّارَ مًسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا؛ لَمْ يَقُلْ: دَخَلَ النَّارَ فِي ذُبَابٍ)! فَأَقُوْلُ: وَجْهُ الاسْتِنْكَارِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَا يَخْلُوْ حَالُهُ مِنْ أَمْرَيْنِ: الأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ الذُّبَابَ لِلصَّنَمِ؛ إِنَّمَا قَدَّمَهُ عِبَادَةً لَهُ وَتَعْظِيْمًا، فَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ لَا يَكُوْن مُسْلِمًا؛ بَلْ هُوَ مُشْرِكٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ الشَّيْخِ سُلَيْمَان ﵀ (ص ١٦١) ........ وَالآخَرُ: أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ القَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنِّيْ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الحَالَةِ لَا تَجِبُ لَهُ النَّارُ، فَالحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ دَخَلَ النَّارَ فِي ذُبَابٍ؛ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيْمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ﴾ (النَّحْل:١٠٦)، وَقَدْ نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ حِيْنَ عَذَّبَهُ المُشْرِكُوْنَ حَتَّى يَكْفُرَ بِهِ ﷺ، فَوَافَقَهُم عَلَى ذَلِكَ مُكْرَهًا، وَجَاءَ مُعْتَذِرًا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ؛ كَمَا فِي تَفْسِيْرِ ابْنِ كَثِيْرٍ وَغَيْرِهِ ..). قُلْتُ: وَقَدْ سَبَقَ - فِي الحَوَاشِيْ السَّابِقَةِ - تَوْجِيْهُ كَلَامِ المُصَنِّفِ ﵀ وَبَيَانُ عَدَمِ نَكَارَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ البَابِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
1 / 71