لعله لم يكن لديه شعور جازم بأن المتاعب لن تعترض طريقه مثلما كان يشعر قبل وفاة زوجته. توفيت زوجته عام 1919 في الموجة الأخيرة لوباء الإنفلونزا، بعد أن تجاوز كل الناس خوفهم من الوباء؛ حتى هي لم تكن خائفة. كان ذلك منذ خمس سنوات تقريبا، وما زال الحادث بمنزلة الستار الذي أسدل على جزء من حياته كان يخلو من الهموم. لكن لبعض الناس، بدا آرثر دوما إنسانا مسئولا وجادا جدا؛ لم يلحظ أحد فارقا كبيرا في شخصيته.
في الأحلام التي راودته عن الحوادث، خيم الصمت، وكان كل شيء معطلا، كل آلة في المكان توقفت عن إصدار الضجيج المعتاد منها، وتلاشت أصوات الجميع، وعندما تطلع آرثر من نافذة المكتب، أدرك أن يوم الدينونة قد حان. لم يستطع أن يذكر قط أنه رأى أي أمارة على ذلك، كل ما رآه هو الخواء وغبار منتشر في ساحة المصنع ينبئه بأن الساعة قد حان موعدها «الآن». •••
ظلت الكتب داخل سيارته لأسبوع أو ما شابه. قالت ابنته بي: «ماذا تفعل هذه الكتب هنا؟» وحينئذ استعاد الذكريات.
قرأت بي عناوين الكتب وأسماء مؤلفيها: «السير جون فرانكلين وقصة حب المعبر الشمالي الغربي» بقلم جي بي سميث، و«ماذا أصاب العالم؟» بقلم جي كي تشيسترتون، و«الاستيلاء على كيبيك» بقلم أرشيبولد هيندري، و«البلشفية: النظرية والتطبيق» بقلم اللورد برتراند راسل.
قالت بي: «البلجفية»، وصحح لها آرثر الكلمة. سألته عن مغزاها، فقال: «إنه مذهب شائع في روسيا لا أستوعبه - عن نفسي - استيعابا وافيا، لكنه مخز بحسب ما سمعته عنه.»
كانت بي في الثالثة عشرة من عمرها آنذاك، وكانت قد سمعت عن الباليه الروسي والدراويش، وعلى مدار العامين التاليين، كانت تعتقد أن البلشفية ضربا من الرقص الشيطاني أو ربما الإباحي! على الأقل كانت هذه هي القصة التي قصتها على الآخرين عندما شبت عن الطوق.
لم تذكر أن الكتب كانت مرتبطة بالرجل الذي تعرض للحادث، كان ذلك سيجعل القصة أقل إمتاعا. ولعلها نسيت فعلا. •••
كانت أمينة المكتبة مرتبكة، فالكتب ما زالت تحتفظ ببطاقات التعريف بداخلها؛ مما يعني أن أحدا لم يتصفحها، كل ما هنالك أنها أزيحت عن الأرفف، وأخذت من المكتبة. «الكتاب الذي ألفه اللورد راسل مفقود منذ فترة طويلة.»
لم يكن آرثر معتادا على هذا النوع من التأنيب، لكنه قال برفق: «إنني أعيدهم بالنيابة عن شخص آخر؛ ذلك الشاب الذي قضى نحبه في حادث المصنع.»
فتحت أمينة المكتبة كتاب فرانكلين، كانت تتطلع في صورة القارب المحاصر بالثلج.
अज्ञात पृष्ठ