فقال الباشا: نعم الرأي رأيك يا ولدي، فهيا بنا نخيره في البقاء هنا ريثما يشفى، أو الذهاب إلى بيته، فلما قابلاه أخفى وجهه بين يديه وقال: عفوا عفوا أيها الصديق الكريم؛ فضميري يبكتني لما اقترفته نحوك، فذنبي عظيم يستحق الموت، ولكن العفو العفو، فقال شفيق: لا بأس عليك، فقد جرى المقدر. أما الآن فقد أتيت وسعادة الباشا نخيرك بين البقاء هنا أو الذهاب إلى بيتك، فقال: أريد أن تسمحا بنقلي إلى محل سكني. فأجاباه إلى ذلك ونقل.
الفصل التاسع والثلاثون
انتظار مجيء والدي شفيق
فلما نقل عزيز إلى بيته عاد شفيق إلى غرفة فدوى، واستأذن الباشا في الانصراف قائلا: إني آسف لعدم إمكاني البقاء الآن لأزداد شرفا ومؤانسة برؤيتكم ومحاضرتكم؛ إذ ربما يترتب على تغيبي عن الجيش وقتا طويلا سوء ظن بي؛ لأنهم لم يسمحوا بانخراطي في جندهم متطوعا إلا بعد السعي الكثير، فإني لست إنكليزي الأصل، وقد ساعدني كون والدي من موظفي هذه الحكومة في هذا القطر، وله فيها خدمات صادقة، فلا بد لي من أن أبرهن لهم على صدق خدمتي حتى يثقوا بي، فأنال المكافآت الجهادية التي لا بد منها بعد هذا الفوز في حربنا، وسأعود الآن إلى الآلاي، ومتى استتبت الحال أصير قادرا على الترداد والتشرف بالمثول بين يدي سعادتك، فألقي إليك ما يخالج ضميري من المحبة والاحترام؛ لعلي أصادف ما آمله من محبتك وكرمك. فلحظ الباشا المراد من تقربه، وقد أحبه وسرته العلائق التي ربطت فدوى بحبه، فلم يمانع بائتلاف قلبيهما، فرحب بشفيق وأخلى له مكانا من الحب في قلبه.
أما فدوى، فهان عليها فراق حياتها ولا بعاد الحبيب، غير أنه ليس باليد حيلة، ولا مكان لإظهار عواطفها أمام أبيها، فنظرت إلى شفيق مستعطفة وقد تاه عقلها، فتبادلا الخطاب بالألحاظ الناطقة التي يريدها الشاعر بقوله:
تشير لنا عما تقول بطرفها
وأومي إليها باللحاظ فتفهم
حواجبنا تقضي الحوائج بيننا
فنحن سكوت والهوى يتكلم
ثم عاود شفيق الكلام فقال: إنني بانتظار قدوم والدي، فمتى أتوا تقوى علائق المودة المتبادلة بين العائلتين.
अज्ञात पृष्ठ