قال: ربما كنت غير مصيب، ولكني لا أدري ما حملني على ذلك، فكأن قوة إلهية دفعتني إلى الذهاب. قال ذلك وعاد إلى ترتيب الأمتعة وحزمها، واستمر في ذلك طول الليل.
الفصل السابع والعشرون
ضياع شفيق
لبثت فدوى بعد سفر عائلة شفيق على مثل الجمر تنتظر كتابا من سعدى، وبعد ثلاثة أسابيع أخذ بخيت كتابا باسمه ففضه، فإذا طيه آخر برسم فدوى، فأتاها به، فلما تناولته اختلج قلبها فرحا، وارتعشت يداها حتى لم تقو على فضه، فدخلت غرفتها وأغلقت بابها حذرا من مفاجئ، ثم قعدت على متكأ هناك وفضت الكتاب بيدين ترتعشان فرحا؛ فإذا فيه:
عن لندرا، شارع أوكفرد، نمرة 65 إلى القاهرة في 5 يوليو سنة 1882
عزيزتي فدوى
وعدتك أن أكتب إليك حال وصولي هذه الديار عما يكون بعد مشاهدتي ولدي شفيقا، ولكنني أخبرك وأنا أكاد أغيب عن الصواب أنه قد مر علينا ثلاثة أيام من يوم وصولنا ونحن نفتش عن حبيبي ومهجة كبدي في سائر أنحاء لندرا، فلم نقف له على أثر. وقد أخبرنا صاحب النزل الذي كان ساكنا فيه أنه خرج صباح يوم من أيام الأسبوع الماضي ولم يعد، وهو لا يعلم مقره، فلا نزال ساعين في التفتيش عنه، ولم نظفر به بعد، فلا تسألي الدمع عما انسكب، ولا القلب عما انفطر، ولا الكبد عما تفتت. أواه! وا حسرتاه! لقد ذهل عقلنا، وطاش لبنا ونحن نسعى الليل قبل النهار في التفتيش عنه، فإذا عرفت عنه شيئا فعرفينا تلغرافيا بالعنوان المكتوب في أعلى هذا الكتاب، وإذا عرفنا نحن نخبرك، والسلام.
الداعية
محبتك سعدى
فأين للقلم أن يصف حالة فدوى بعد قراءة الكتاب وقد خارت قواها، وارتعدت فرائصها، وغاب صوابها، فصرخت وانكبت على الأرض مغشيا عليها؟ فسمع بخيت صوتها فبادرها وقد أذهله الأمر فرشها بالماء إلى أن استفاقت، فأخذ يسألها السبب وهي لا تعي على شيء، ولم تزدد إلا نوحا، فبحث عن الكتاب حتى رآه، فلما اطلع عليه لم يتمالك عن البكاء، ولكنه أخفى اضطرابه وأقبل عليها؛ ليخفض من اضطرابها وهي تصعد الزفرات، فقال لها: تصبري يا مولاتي، عسى أن يمن الله بالفرج، واكتمي ما بك لئلا ينكشف الأمر؛ فإن سيدتي والدتك لا تلبث أن تأتي فتشاهد اضطرابك فتصير البلية أعظم. أما هي فرجعت إلى وعيها وتجلدت جهدها؛ لتخفي ما اعتراها، فلم تقدر، فأمرت بخيتا أن يأتيها بدواة وقرطاس، وجلست إلى طاولة وكتبت لسعدى جوابا على كتابها؛ وهو:
अज्ञात पृष्ठ