قال: مري ما بدا لك.
قالت: أولا: أرغب إليك أن تخبرني عن اسمك إن لم يكن لإعلام والدي، فلأحفظه عندي ذكرا لشهامتك ومروءتك اللتين يعز وجودهما في شبان هذه الأيام. ثانيا: أن تخبرني عن اسم ذلك الخائن إذا كنت قد عرفته من تحت اللثام.
قال: أما سؤالك الأول، فقد يكفيني فخرا حفظ اسمي عندك، ونعم ما طلبت، على أني أود ألا تطلعي أحدا على الحكاية، واسمي «شفيق». أما الثاني، فأتقدم إليك أن تسدلي عليه سترا؛ إذ لا يليق بشريف مباديك وسامي أدبك أن تنتقمي من اللئام؛ فاحسبيها هفوة من هفوات الشباب، على أني لا أتقاعد عن الاقتضاء عن استطلاع اسم الرجل وإفادتك؛ فأذني لي قبل أن أودعك أن أتطفل بسؤال أطلب إليك الإفادة عنه، ولكني أخشى أن يثقل عليك.
قالت: مر؛ إني رهينة أمرك.
قال: هل لك أنت تقولي لي ما الاسم الكريم.
قالت: اسم الداعية فدوى.
قال: عاشت الأسماء، وفدتك روحي أيها الملاك البشري. ثم ضغط على يدها مودعا، فأجابته بالمثل، فبارحها عائدا إلى عربته وهو غارق في تيار الغرام، وقلبه يخفق، وركبتاه ترتجفان، ولسان حاله يقول:
ودعته وبودي لو يودعني
صفو الحياة وأني لا أودعه
فلما وصل كان رفيقه قد مل الانتظار، وكاد يتميز غيظا، وقد اضطرم فؤاده حسدا، لكنه أخفى ما في سره، وأبدى الابتسام، وكان عزيز يعرف فدوى منذ أشهر وقد مال إليها، لكنه لم يجسر على طلبها خوفا من الفشل؛ لأنه رأى ما ألم بسواه؛ لعلمه أنها لا تنظر إلى الغنى ولا حسن الزي، وتحتقر كل غر متكبر ولو ملك ملك قارون. وكان عزيز - لسفالة طباعه - يعد كرم طباع تلك العذراء وأنفتها كبرا وتيها، فسره إذلالها بواسطة أحد السفلة؛ لعله يستطيع بعد ذلك نيلها، فلما حبطت مساعيه ورأى ما صنعه شفيق نحوها أيقن أنها أحبته، فخاف أن يسرع في السعي إلى نيلها فتكون البلية عليه أعظم فلاح له أن يوطد أمل شفيق، ويجعل الأمر في يده هو؛ لعله يقوى على تفريقهما فينال مرغوبه.
अज्ञात पृष्ठ