قال: نعم، ولكن مركزها مدينة الخرطوم التي قد ذهب إليها غوردون باشا مؤخرا لإنجاز مسألة السودان، فمتى وصل إليها عبود يستطلع منها الخبر.
قالت: لقد أحسنت السياسة، بورك فيك.
أما عبود، فكان قد عثر على صورة شفيق في مكان فحفظها عنده؛ ليتذكر بها سيده، فلما طلب إليه بخيت الذهاب في تلك المهمة استبشر بالفوز، وأخذ يعد معدات السفر، ولكنه ألح على صاحب الفندق أن يبيع الدبوس لبخيت، فباعه إياه بمضاعف ثمنه، وأكرم بخيت عبودا بمال كثير، فخيل له أن نجم سعده قد تسلط، ونجوم نحسه قد أدبرت، ولبث في بيروت بضعة أيام ينتظر إعداد الكتاب إلى شفيق.
أما فدوى فكتبت إلى شفيق كتابا هذا نصه:
يا شقيق الروح ومنى القلب
أكتب إليك هذا الكتاب من بيروت غير عالمة بمحط رحالك، ولا ما إذا كانت الأقدار تعد لي أياما أنسى بها ما قاساه هذا القلب من العناء، وما عانيته في حبك من المشاق، فهل تسمح لي الأيام برؤيتك بعد طول الغربة؟ وكنت قد يئست من بقائك (وا لهفاه!) في عالم الأحياء حتى ظفرت بناقل هذا إليك، فقص علي قصة جددت آمالي، وأحيت ما بقي في من رمق الرجاء، فإذا تحقق لي هذا الأمل فلا يكون على وجه هذه البسيطة أكثر سعادة مني، وأما إذا ذهبت مساعي أدراج الرياح، فلا ألبث أن أعلم بفشله حتى ألحق بك عاجلا؛ إذ إن ذلك خير لي من معاناة الوجد الذي كاد يذهب برشدي، بعد أن ذهب بصحتي، وأتخلص من شر هو أعظم ما أتخوفه؛ ذلك أني أخشى الوقوع فيما نصبه لي ذلك الذي لم ترض الإجهاز عليه، فتركته لي عثرة وشركا يتبعني حيثما توجهت، وينصب لي الشراك حتى أوغر قلب والدي علي، ولا أدري ما الذي سلطه على قلب ذلك الوالد حتى جاء يتهددني في سلواك، ويشير علي باستبدالك بمن لو خيرت ما اخترت غير الموت على رؤيته.
فإذا وصل إليك كتابي، فبادر إلى إنقاذي من مخالب الموت والعار. هذا إذا لم يدركني المحظور قبل وصولك، والسلام.
الداعية
الباقية على عهدك
فدوى
अज्ञात पृष्ठ