أخبار ليلى
أخبار ليلى مع النابغة الجعدي
كتب إلي أحمد بن عبد العزيز، أخبرنا عمر بن شبة عن أبي الحسن المدائني، قال: هاجى النابغة الجعدي ليلى الأخيلية فقال لها:
ألا حيّيا ليلى وقولا لها هلا ... فقدْ ركِبتْ (...) أغرُّ محجَّلا
فقالت ترد عليه وهما قصيدتان له ولها، فغلبته بقوله:
وعيَّرتني داءً بأمك مثله ... وأيُّ جوادٍ لا يقال لها هلا
وهلا: كلمة تقاس للفرس الأنثى إذا أنزي عليها الفحل لتسكن.
حدثني محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال: حدثني الحكم بن موسى السلولي، أخبرني الباهلي العلامة قال: " أنه تحاكم إلى ليلى " شعراء هوزان: النابغة الجعدي " وحيد بن ثور " الهلالي وتميم بن أبي بن مقبل
1 / 25
العجلاني والعجير السلولي فأنشأت تقول:
ألا كلّ ما قالَ الرواة وزبّبوا ... به غير ما قال السلوليُّ بهْرج
تعني: العجير، قال: فنمى الخير عنها، فقال النابغة الجعدي:
كأنَّك ليلى بغلة تدْمريَّة ... رأت حصنًا فعارضتهنَّ تشْحج
قال: ثم قال:
ألا حيّيا ليلى وقولا لها: هلا ... فقد ركبتْ (...) أغرَّ محجَّلا
وبرذَوْنة بلَّ البراذين ثفْرها ... وقد شرِبتْ في أوَّلِ الصيف أيِّلا
1 / 26
وقد أكلتْ بقْلًا وخيمًا نباته ... وقد أنكحت شرَّ الأخايلِ أخْيلا
رأى نفسه يقلًا وخيمًا، يقول: إنها ستسوخم هجائي.
وكيف أهاجي شاعرًا رمْحه أسته ... خضيبَ البنانِ ما يزال مكحَّلا
دعي عنك تهجاءَ الرجَالِ وأقبلي ... على أذْلغيّ يمْلأ أسْتكِ فيْشلا
قال: وبنو الأذلغ بن بني عبادة بن " ربيعة البكاء وكان " نكاحًا، فبلغها قوله فقالت:
1 / 27
أنابغ لم تنبغْ ولم تك أولًا ... وكنْت صنيًا بينَ صُدَّيْن مجهلا
ويروى: ولم تك موبهًا، ويروى: بين شعبين مجهلا، ويروى: وكنت شعيبًا بين صدين، والصدان: جانبا سفح الجبل، والصني: الثميد يبض شيئًا يسيرًا يشرب به الطير ولا يشرب به الإنسان لقتله وصني تصغير صنو، والصنو: الشعب الصغير.
أنابغ إن تنبغ بلؤمكَ لا تجدْ ... للؤمكَ إلا وسطَ جعدة مجْعلا
أعيرتني داءً بأمك مثلُه ... وأي جوادٍ لا يقال لها: هلا؟!
ويروى: وأي حصان. ويقال للفرس الحجر: هلا، وذلك إذا دعيت للإقرار لتنزى. فاجتمع الجعديون وقالوا: والله لنأتين أمير المدينة فلنستعدينه عليها فأنها قد قذفتنا، وبلغها ذلك فزادت في القصيدة.
أحقًا بما أنبيت أنَّ عشيرتي ... بشوران يزجون المطيَّ المنعَّلا
يروح ويغدو وَفدهم لصحيفةٍ ... ليستجلدوا لي ساءَ ذلك معملا
على غير جرْم غير أنْ قلت: عمهم ... يعيش أبوهم في ذَراه مغفَّلا
1 / 28
عمهم: هو عقيل، وأبوهم: هو جعدة. في ذراه: في ذرى عقيل، ويروى: نداه.
وأعمى أتاه بالحجاز نثاهم ... وكان بأطراف الجبال فأسهلا
الأعمى: النابغة. جعلته أعمى القلب.
فجاء بهِ أصحابه يحملونه ... إلى خيرِ حيٍ آخرين وأوَّلا
إذا صدرت ورَّادهم عن حياضهم ... تغادر نهبًا للزكاة معقَّلا
تقول: هم يؤدون الصدقة عن إبلهم.
تنافر سوّرًا إلى المجد والعلا ... وأقسم حقًا إن فعلت ليفعلا
ويروى: تسابق سوارًا، وهو سوار بن أوفى بن سبرة بن سلمى بن قشير، وكان يهاجي النابغة ويفخر عليه بأيام بني جعدة.
بمجْدٍ إذا المرء اللئيم أرادَه ... هوى دونه في مهْيلٍ ثمّ عضَّلا
عضل: عيا وبلد وضاق.
وهلْ أنت إن كان الهجاء محرّما ... وفي غيره فضْل لمنْ كان أفْضلا
وفي غيره فضل: تقول: في غير الهجاء الحسب والكرم، وليس في الهجاء خير ولا يفضل به أحد. تريد: هل لك أن تدع الهجاء وتناسب سوارًا حتى تعرف نفسك ونسبك وقدرك.
لنا تامك دونَ السماءِ وأصْله ... مقيمٌ طوال الدَهْرِ لنْ يتحلحلا
1 / 29
وما كان مجْدٌ في أناس عَلمْتُه ... من الناس إلاّ مجدُنا كان أوّلا
فجليت إلى المدينة، فأقامت بباب مروان وأنشأت تقول:
أنيخَتْ لدى باب ابن مروانَ ناقتي ... ثلاثًا لها عند النِتاج صرِيفُ
يُطيف بها فتيانُهُ كلَّ ليلةٍ ... بنيرين مئرانُ الجبالِ وَريفُ
نيرين: شيئين، ويقال: لونين من العلف.
غُلامٌ تَلقّى سؤددًا وهو ناشىءٌ ... فانتَ به رَحْبُ الذراعِ أليفُ
بقيْلٍ كتحبير اليماني ونائلٍ ... إذا قُلّبتْ دونَ العَطاءِ كفوفُ
وَرُحْنا كأنا نمتطي أخدَرِيَّةً ... أضرَّ بها رخوُ اللبان عنيفُ
وحلأّها حتى إذا لم يسُغ لها ... حليٌّ بجَنْبيْ ثادقٍ وجفِيفُ
جفيف: يابس الكلأ، والصغار من الحلي. والنصي: الذي يبس وأصابه المطر فاصفر.
أرنَّ عليها قاربًا وانتحت له ... مُبِرَّةُ أرْساغِ اليدينِ زَروفُ
تُهادي خجُوجًا خدَّدَ الجرْيُ لحْمَهُ ... فلا جحْشَها بالصيف فهي خروفُ
الخروف من الإبل: تنتج في الخريف، والمصيف: في الصيف، والمربع: في الربيع، والهبع: في القيظ، والصقعي: وهو الربعي، والصفري: مطلع سهيل، والدفيء: في آخر الشتاء.
1 / 30
ثم قالت في مروان تمدحه وتذكر أمر الجعديين:
طرِبْتَ وما هذا بساعة مطْربِ ... إذا الحيُّ حلوًا بين عاذٍ فحَبْحبِ
قديمًا فأضْحَتْ دارُهُم قد تلعَّبتْ ... بها خَرِقات الريح من كلِّ ملعبِ
وكمْ قد رأى رائيهُمُ ورأيتها ... بها لي من عمٍّ كريمٍ ومن أبِ
فوارسَ من آل النُفاضةِ سادةً ... ومن آل سعْدٍ سؤددًا غير متْعبِ
وحيٍّ حريدٍ قد صبحنا بغارةٍ ... فلم يُمْس بيتٌ منهمُ تحت كوكبِ
شننَّا عليهم كلَّ جرداءَ شطْبةٍ ... لجوجٍ تباري كلَّ أجردَ شرْجبِ
لوَ حشيِّها من جانبي زفيانها ... حفيفٌ كخذروف الوليد المثقَّبِ
إذا جاش بالماء الحميم سجالها ... نضخْنَ بهِ نضْخ المزادِ المسرَّبِ
1 / 31
فذَرْ ذا، ولكن قد تمنيت راكبًا ... إذا قال قولًا صادقًا لم يُكذًّبِ
وكتب إلي أحمد بن عبد العزيز: أخبرنا عمر عن شبة، وحدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي، وحدثني أحمد بن محمد المكي، قال: حدثنا أبو العيناء، أن النابغة لما قال أبياته التي أولها: ألا حييا ليلى، أجابته بقولها الذي تقدم.
وروى أبو عمرو الشيباني أن النابغة لما قال يذكر يومي رحرحان وهو يهاجي سوار بن سبرة ويفخر عليه بأيام بني جعدة في قصيدة:
هلا سألتَ بيومي رحرحان وقد ... ظنَّتْ هوازن أن العزَّ قد زالا
فلما قال:
تلك المكارم لا قَعبانِ من لبنٍ ... شيبا بماءٍ فعاد بعْد أبوالا
1 / 32
قالت ليلى:
وما كنتُ لو قاذَفْتُ جلَّ عشيرتي ... لأذكر قعبي حازرٍ قد تثملا
فلما أتى النابغة هذه الأبيات وما دعته إليه ليلى قال: ألا حييا ليلى. حازر: حامض. وتثمل: صار كتلًا من الرغوة، والثمالة: الرغوة ويقال: الرعوة.
حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لليلى تمدح مروان بن الحكم:
طربت وما هذا بساعة مطْربِ ... إذا الحيُّ حَلوًا بين عاذٍ فحبْحبَ
وذكرها بطولها فاخترنا منها بعد ذكر ناقته:
أدلَّتْ بقُربي عنْدَه وقضى لها ... قضاءً فلمْ ينقضْ ولم يُتعقّبِ
فإنّك بعد الله أنت أميرُها ... وقُنعانُها في كلّ خوفٍ ومرغبِ
" قنعان الذي " يقنع برأيه. يقال: هذا قنعاني وقنعاني: أي ما قنعت به من شيء.
فتُقضى فلولا أنه كلّ ريبةٍ ... وكلّ قليلٍ من وعيدِكَ مرهبي
إذن ما ابتغى العادي الظلومُ ظلامةً ... عليَّ وما أجْلبْت للمتَجلِّبِ
معناه لا بل تعدي علي من ظلم وهجا فخاف أن أهجو وأنتصر فيعدي علي:
تبادِرُ أنباءَ الوشاةِ وتبتغي ... لها طلباتِ الحقِّ من كل مطْلبِ
إذا أدلجتْ حتى ترى الصبحَ واصَلت ... أديم نهارِ الشمس ما لم تَغَّيبِ
1 / 33
فلمَّا رأتْ دارَ الأمير تخاوَصتْ ... فقلت لها قد هبْت من متَهيًّبِ
تخاوصت بعينيها
صياحَ فَراريج العقول وحاجبًا ... وصوْتَ المنادي بالصلاة المثوِّبِ
العقور: الحصون والقصور. ويروى: بالأذان المثوب.
وترْجيعَ أصواتِ الخصوم تردُّها ... بيوت فضاءٍ في طمارٍ مبوَّبِ
الطمار: المكان المرتفع. ومبوب أي له باب.
يظلُّ لأعلاها دَوِيٌّ كأنه ... ترنُّمُ قاري بيْتِ نحْلٍ منوِّب
القاري: ذكر النحل الذي يجمعها، والمنوب: المسود، أي يسود هذا النحل بما يعمل موضعه ومنه سمي النوبي لسواده، وأنشد: في بيت نوب عوامل. ويروى نحل مجوب.
وأنشدني محمد بن أحمد، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى لليلى أيضًا:
أنيختْ لدى بابِ ابنِ مروانَ ناقتي ... ثلاثًا لها عنْدَ الرتاجِ صريفُ
1 / 34
يطيف بها فتيانه كلَّ ليلةٍ ... بنيْرَيْنِ مئران الجبال وريف
الرتاج: الغلق، ومنه أرتج على القارئ. ومئران من النشاط. النيران: شحم العام الأول وشحم عامها هذا، ويقال: ناقة ذات نيرين: أي شحم عامي وشحم حولي.
1 / 35
أخبار ليلى مجموعة
حدثني أحمد بن محمد الجوهري، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي، قال: حدثنا محمد بن زياد البكراوني، قال: سمعت العتبي يقول: دخلت ليلى الأخيلية على عبيد الله بن أبي بكرة.
قال محمد: وسمعت ابن عائشة يقول: دخلت امرأة من هوزان على عبيد الله بن أبي بكرة فقلت له: هي الأخيلية. فقال: لعلها. فقالت أصلح الله الأمير، أتيتك من بلاد شاسعة ترفعني رافعة وتهضبني هاضبة، لملمات من البلايا برين عظمي ونكهن جسمي، وتركنني أمشي بالحريض قد ضاق بي البلد العريض بعد عدة من الولد وكثرة من العدد، أفنين عددي وأوعزن تلدي، فلم يتركن لي سبدًا ولم يبقين لي لبدًا، فسألت في أحياء العرب من المرتجى سيبه والمأمون غيبه والمحمود نائله فدللت عليك - أصلحك الله - وأنا امرأة من هوازن هلك الوالد، وغاب الفاقد، فاصنع بي إحدى ثلاث.
قال: وما هن؟ قالت: تحسن صفدي أو تقيم أودي أو تردني إلى بلدي، فقال: بل نجمعهن لك. فجمع لها الخلال الثلاث. قال أحدهما: ثم أوصى لها بعد مؤته بمثل ميراث أحد بناته.
1 / 36
حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: قالت ليلى الأخيلية لبني عبادة قومها، وسئلت عنهم، فقالت: شر كالتراب وخير كالصؤاب.
أنشدني محمد بن أحمد الكاتب، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لليلى:
شُمُّ العَرانينِ أسْماطٌ نِعالهم ... بِيض السرابيلِ لم يعْلقْ بها الغَمَرُ
نعل سمط: إذا كان طاقًا واحدًا ليست مطارقة.
أنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي، وقال: هو لليلى الأخيلية:
ألا ليت شعْري والخطوب كثيرةٌ ... متى رحْل قيس مستقِلٌّ فراجع
بنفسيَ من لا يسْتقِل برحْلهِ ... ومن هو إن لم يحفظ الله ضائعُ
حدثني عبد الله بن يحيى العسكري قال: روى أبو عمرو الشيباني لليلى تمدح أبي بكر بن كلاب بن ربيعة:
1 / 37
إن كنْتَ تبغي أبا بكرٍ فإنَّهم ... بكلّ ساحةِ قوْم منهم أثَرُ
نعمي وبؤسي بآفاق البلاد فما ... ينال أعداؤهم منهم، ولا قدروا
والعالمون إذا ما الأمر ضافهمُ ... أنَّى يحاوَلُ منه الوِرْد والصدَرُ
واخترت آل أبي بكْرٍ لحاجتنا ... وكان فيهم لمن يختارهم خيَر
وما اتهمت بني جَزْءٍ بظنَّتهِ ... وما أساؤوا وما ضاعَ الذي حضروا
بظنته: أي بظنه أبي جزء، وبنو جزء آل عبد العزيز بن زرارة وهم من بني بكر بن كلاب.
قال: وروى أبو عمرو أيضًا لها تفخر:
نحن منعْنا بين أسْفَل ناعت ... إلى وارداتٍ بالخميس العرمرم
بحيّ إذا قيل أظعنوا قد أتِيتُم ... أقاموا على هَوْلِ الجنانِ المُرَجَّمِ
تحمَّل أولاهم من الدار غدوةً ... وتمسي بها أخراهم لم تَصَرَّمِ
1 / 38
أخبار ليلى مع الحجَّاج
بن يوسف وذلك في آخر عمرها
حدثني أبو عبد الله الحكيمي. قال: حدثني يحيى بن يموت بن المزرع قال: حدثنا رفيع بن سلمة. قال: حدثني أبو عبيدة، قال: دخلت ليلى الأخيلية على الحجاج فأنشدته:
فنعم فتى الدنيا لئنْ كانَ فاجرًا ... وفوق الفتى إن كان ليسَ بفاجرِ
فتىً هو أحيا من فتاةٍ حييّة ... وأشجعُ من ليْثٍ بخفانَ خادرِ
1 / 39
فتىً فيه فتيانيَّةٌ أريحيَّةٌ ... بقيَّة أعرابيَّةٍ من مُهاجر
فقال فتى من جلساء الحجاج: والله أيها الأمير ما كان في توبة عشير ما تقول ليلى.
فقالت ليلى: والله أيها الأمير لو رأى ذلك توبة لتمنى أن لا تبقى في داره بكر إلا حملت منه.
وأخبرني عبد الله بن يحيى قال: حدثني محمد بن جعفر، قال: حدثنا ابن أبي سعد، قال: حدثني أبي الحسن الموصلي عن سلمه بن أيوب بن مسلمة الهمذاني فقال: كان جدي عند الحجاج فذكر أن امرأة قد دخلت عليه فسلمت فرد عليها، وقال: من أنت؟ قالت: أنا ليلى. قال: صاحبة توبة بن حمير؟ قالت: نعم. قال: فماذا قلت فيه لله أبوك؟ قالت: قلت:
فإنْ تكنِ القتلى بواءً فإنَّكم ... فتىً ما قتلتُم آل عوفِ بن عامرِ
1 / 40
وذكر منها أبياتًا فقال لها أسماء بن خارجة الفزاري: أيتها المرأة إنك لتصغين لهذا الرجل بشيء ما تعرفه به العرب. قال: فقالت: أيها الرجل: هل رأيت توبة؟ قال: لا. قالت: أصلح الله الأمير، فوالله لو رأى توبة فود أن كل عاتق في بيته حامل من توبة. قال: فكأنما فقئ في وجه أسماء حب الرمان. فقال له الحجاج: وما كان لك ولها.
حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوي عن عبد الله بن أحمد المكي عن عبد الله بن مشهور، قال: دخلت ليلى الأخيلية على الحجاج فقال لها: أنشديني ما قلت في توبة فأنشدته:
كأنّ فتى الفتيان توبةَ لم ينخْ ... قلائِصَ يفْحصْنَ الحصى بالكراكرِ
ولمْ يبْنِ أبرادًا رقاقًا لفتيةٍ ... كرامٍ ويرحلْ قبْلَ فيءِ الهواجرِ
فقال لها الحجاج: هل كان بينك وبينه سوء؟ قالت لا والله إلا أنه أرسل رسولًا
1 / 41
مرة، فقال: إذا أتيت حاضر بني عبادة - يعني ابن عقيل - فناد فيه:
عفا الله عنها هل أبيتنَّ ليلةً ... من الدهر لا يسري إليّ خيالها
فظننت أنه جنح لبعض الأمر فناديت:
وعنْه عفا رَبي وأصْلحَ بالهُ ... فعزَّ علينا حاجةٌ لا ينالها
وحدثني محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن أبي خثيمة قال: أخبرنا علي بن المغيرة الأثرم عن أشياخه، قال أحمد: وأخبرنا عبد الله بن أبي كريم عن أبي عمرو الشيباني أن ليلى الأخيلية قدمت على الحجاج بن يوسف وعنده وجوه أصحابه وأشرافهم إذ أقبلت جارية فأشارت إلى الحجاج وأشار إليها بيده، فذهبت فما تلبث أن جاءت امرأة من أجل النساء وأكمله وأتمه خلفًا وأحسنه محاورة، فلما دنت منه سلمت عليه وقالت: أتأذن أيها الأمير؟ قال: نعم. فأنشأت تقول:
1 / 42
أحجَّاج إن اللَّهَ أعطاكَ غايةً ... يقصر عنْها منْ أرادَ مداها
أحجَّاج لا يفْللْ سِلاحك إنَّما ... المنايا بكف اللَّه حيث يراها
حتى أتت على آخرها.
فقال الحجاج لمن عنده: أتدرون من هذه؟ قالوا: ما نعرفها ولكنا ما رأينا قط امرأة أطلق لسانًا منها، ولا أجمل وجهًا، ولا أحسن لفظًا فمن هي أصلح الله الأمير؟؟ قال: هذه ليلى الأخيلية صاحبة توبة بن الحمير العقيلي التي يقول فيها:
فلو أنَّ ليلى الأخيلية سلمَت ... عليّ وفوقي ترْبَةٌ وصَفائحُ
لَسَلمْتُ تسليم البشاشَةِ أو زَقا ... إليها صدىً من جانبِ القبر صائحُ
1 / 43
ثم قال: يا ليلى أنشدينا بعض ما قال توبة فيك، فأنشدته:
نأتْكَ بليلى دارها لا تزورها ... وشطَّتٌ نواها واستمرَّ مريرها
وكنت إذا ما زرْت ليلى تَبَرْقَعَت ... فقد رابني منها الغداة سُفورها
حتى فرغت من القصيدة.
فقال لها: يا ليلى وماذا رابه من سفورك؟ قالت: اصلح الله الأمير! لم يرني قط إلا متبرقعة فأرسل إلي رسولًا إنه ملم بنا، وفطن الحي لرسوله، فأخذوا له واستعدوا وكمنوا، ففطنت لذلك من أمرهم، فلما رأى ذلك أنكره، فلم يزد على أن سلم وانصرف.
فقال الحجاج لله درك يا ليلى فهل كان بينكما ريبة قط؟ قالت: لا والذي " أسأله أن يصلحك " إلا أنه مرة قال قولًا، فأضنه أنه خضع لبعض الأمر فقلت:
1 / 44