في عام واحد علمت بتعيين همام رئيسا لمحكمة استئناف الإسكندرية، كما قرأت خبر تنفيذ حكم الإعدام في سيد الغضبان لقتله راقصة. كنا - أنا وهمام والغضبان - أصدقاء طفولة. وكان الغضبان بؤرة الإثارة لجمال صوته ونوادره البذيئة. وافترقنا قبل أن نبلغ التاسعة، فمضى كل إلى سبيله. عرفت من بعض الأقارب بانخراط همام في سلك الهيئة القضائية، وتابعت أنباء الغضبان في الصحف الفنية كبلطجي من بلطجية الملاهي الليلية.
والحق أن خبر الإعدام هزني، وطار بي على جناح التأمل إلى العهد القديم. وفكرت أن أكتب رسالة إلى همام أضمنها تأثري وتأملاتي. وشرعت في الكتابة، ولكنني توقفت وفتر حماسي أن يكون قد نسي ذلك العهد وأهله، أو أنه لم يعد يبالي بهذه العواطف.
الزيارة الأخيرة
لولا المعلم عبد الدائم لضاع كل وافد على المدينة القديمة. يستقبل الوافدين في مقهى المعز، ثم يفتح لكل مغلق الأبواب. وكان عبد الله أحد أولئك الوافدين.
ما لبث أن ألحقه بوظيفة مساعد بواب، فحمد الرجل ربه على الرزق والمأوى. وحثه على الرشد والتدبير حتى زوجه من بنت الحلال. وجعل عبد الله يزوره في المقهى من حين لآخر اعترافا بفضله وإحسانه، غير أنه لما استغرقه العمل وتربية الأولاد، ندرت زياراته حتى انقطعت. وبلا الرجل الحياة بحلوها ومرها، وتصبر حتى وقف الأولاد على أقدامهم، وانطلق كل في سبيل. ومع تقدم السن شعر عبد الله بأنه آن له أن يستريح وينفض عن رأسه الهموم. وفي فراغه تذكر المعلم عبد الدائم، فشعر بالخجل والندم، وصمم على زيارته، داعيا الله أن يجده متمتعا بالصحة والعافية. وقصد مقهى المعز وهو يعد نفسه للاعتذار وطلب العفو. لاحظ من أول نظرة ما حل بالمقهى من تجديد وفرنجة في الأثاث والخدمة والزبائن، ولم يعثر لصاحبه على أثر. ووضح له أن أحدا لم يسمع به. وظهر عجوز يسرح بالمسابح والبخور، وكان الوحيد الذي تذكره، والوحيد الذي يعرف منزله بالإمام، ولا يعرف عنه أكثر من ذلك. ولم تحل تلك الصعوبات بين الرجل ورغبته، فمضى من فوره إلى الإمام. كان يقوده شعور قوي بالوفاء، وبأنه ذاهب إلى غير رجعة ...
ليلى
في أيام النضال والأفكار والشمس المشرقة، تألقت ليلى في هالة من الجمال والإغراء.
قال أناس: إنها رائدة متحررة.
وقال أناس: ما هي إلا داعرة.
ولما غربت الشمس وتوارى النضال والأفكار في الظل، هاجر من هاجر إلى دنيا الله الواسعة.
अज्ञात पृष्ठ