تجوالات لاتونا
من بنات التيتان ربة الظلام المسماة لاتونا. وكانت رائعة الجمال لدرجة أن جوبيتر نفسه وقع في هواها، وبذا أثارت غضب جونو، التي لم تصفح عنها قط. وكلما سنحت لها فرصة لعقابها، أنزلت بها صورة من صور العقاب.
ولدت لاتونا لجوبيتر توءمين هما: أبولو إله الشمس وديانا ربة القمر، فأخذت لاتونا طفليها بين ذراعيها، وهامت على وجهها تجوب البلاد متنقلة من مدينة إلى مدينة، تلاحقها باستمرار غيرة جونو التي كانت تعلم بالعظمة المستقبلة لطفلي لاتونا. وأثار حفيظتها وحقدها أن طفلي منافستها سيحصلان على مثل هذه العظمة.
تحملت لاتونا كثيرا من المشاق أثناء تجوالاتها الطويلة؛ فذات مرة، وهي في لوكيا أبصرت أمامها بركة جميلة من الماء الزلال، تظللها الأشجار. فأسرعت إليها والفرح يملأ قلبها، وهي تحمل طفليها؛ إذ أنهكها التعب وجف حلقها من شدة الظمأ، إلا أنها ما كادت تنحني نحو الماء البارد لتعب منه ما يروي أوار ظمئها، حتى التف حولها عدد كبير من الأهلين، ودفعوها بعيدا عن الماء، ومنعوها الشرب. فأشارت إلى الطفلين اللذين معها، وذكرتهم باسم جوف بأن إكرام الضيف وابن السبيل واجب مقدس للآلهة، ولكنهم سخروا منها، ولم يدعوها تقترب من البركة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما شرع بعضهم يخوض البركة ليعكر ماءها؛ كي يصير غير صالح للشرب.
كان هذا أكثر مما تطيق لاتونا احتماله، فاستشاطت غضبا، وتذكرت أنها ربة هي نفسها، فأشارت بيدها غاضبة، وصاحت تقول: «لن تتركوا البركة طول حياتكم، أيها القوم! ولتسكن البرك مساكنكم إلى الأبد!» وما إن انتهت من قولها هذا، حتى تحول أولئك الريفيون إلى صورة غريبة. فصارت أيديهم وأجسامهم خضراء، وتفلطحت رءوسهم، وغدت أصواتهم نقيقا، ولا يزال نسلهم «الضفادع» يعيش حتى اليوم في البرك الموحلة والعكرة المياه.
عاشت لاتونا مع طفليها مدة ما في أودية جبال بيريا، مأوى الموزيات المحبوب، حيث قامت تسع شقيقات بتعليم أبولو فن الموسيقى والغناء إلى أن صار، في الوقت المناسب، ليس تلميذهن، بل أستاذهن، ولكنه لم يحصل بعد على القيثارة التي قدمها إليه ميركوري فيما بعد. أما ديانا فربيت في كهف بجبل كونثوس (ولذا أطلق عليها أحيانا لقب كونثيا). ووكلت حراستها إلى هيكاتي ملكة الساحرات، وكانت ديانا تتجول بحرية في أودية ذلك الجبل، غير هيابة ولا خائفة. وتعلمت هناك معرفة وفهم المخلوقات البرية، وعندما اكتمل نمو أبولو وديانا، ذهبا إلى جبل أوليمبوس، واتخذا مكانيهما بين آلهة السماء.
زهرة الخزامى أو السوسن
أحب الأغارقة الإله أبولو أكثر من غيره من الآلهة الآخرين، فنسجوا حوله كثيرا من الأساطير. كان حامي الرجال، ولا سيما عندما يكونون في شرخ الشباب، وعندما يشتركون في الألعاب الرياضية والمباريات. فتروى عنه قصة تقول إنه صادق غلاما اسمه هواكنثوس ابن ملك إسبرطة، وكان هذا الصبي يهوى جميع صنوف الألعاب والرياضيات، فكان أبولو يصحبه في رحلات صيد السمك وصيد الحيوان، ويشترك في جميع الألعاب التي يشترك فيها هواكنثوس. وكان زفيروس، إله الريح الغربية، مولعا أيضا بذلك الغلام، وكثيرا ما حاول كسب عطفه، بيد أن الصبي لم يكن ليهتم بأحد غير أبولو.
وذات يوم أخذ أبولو وهواكنثوس يمارسان لعبة قذف الجلة، وكان كل منهما يلعبها ببراعة ومهارة، فكان هذا يقذف الجلة إلى مسافة بعيدة، فيأتي الآخر فيقذفها إلى مسافة أبعد من السابقة، فيعود الأول فيقذفها ... وهكذا. غير أن زفيروس تسلل إلى حيث يلعبان، وشرع يراقبهما، وغضب الغيرة يستعر في نفسه ويملأ قلبه؛ إذ فضل هواكنثوس أبولو عليه. وفجأة بلغ غضب زفيروس ذروته، فلم يعد يحتمل تلك الإهانة أكثر من ذلك، فانتظر حتى جاء دور أبولو ليقذف الجلة. وبينما هي تخترق الهواء أمسك بها إله الريح الغربية بقبضته غير المرئية وغير اتجاهها، وأرسلها بقوة قاتلة شطر هواكنثوس . فأصابت القذيفة الثقيلة الصبي في رأسه، فسقط على الأرض فاقد الوعي. وعبثا ضاعت كل جهود أبولو في إعادة الحياة إليه، فحزن عليه أبولو أبلغ الحزن وأمره وهو راقد يحتضر. ولما لفظ روحه أخذ أبولو جثته بين ذراعيه، ووعده بحياة خالدة.
صاح أبولو يقول للغلام: «ها أنت قد مت، ولكن ستخرج من دمك زهرة يحبها الجميع.»
अज्ञात पृष्ठ