كان في أركاديا فتاة بارعة الجمال تدعى كاليستو، أحبها جوبيتر، فولدت له ابنا سمياه أركاس، فلما رأت جونو أن كاليستو تتمتع بحب جوف، وأن ابنها الجميل ينمو يافعا، أكلت الغيرة قلبها، وأخيرا اشتد غضبها وحسدها وتعديا كل الحدود، فحولت كاليستو إلى دب.
أخذت كاليستو تهيم على وجهها وسط غابات أركاديا في صورتها الجديدة البغيضة. لم تجرؤ على الاختلاط بغيرها من الدببة؛ إذ خافتها كما لو كانت من البشر. ومع ذلك كانت تهرب من الصيادين أيضا؛ إذ سيطاردونها بمجرد أن يروها، ويقتلونها إن أمكنهم.
ومع هذا لمحت ابنها أركاس ذات يوم، وهو على مسافة بعيدة منها، وقد كبر وصار شابا يافعا، فتغلبت عليها عاطفة الأمومة، ودفعها حبها له وشوقها إليه، إلى أن تتقدم نحوه في مشية متعثرة، ووقفت على رجليها الخلفيتين، وحاولت أن تعانقه، ولكنه تراجع في خوف مختلط بالدهشة. ولما أصر الدب على ملاحقته، رفع رمحه، وأوشك أن يقتل به ذلك الحيوان الغريب المخيف. وبينما كان الرمح يكاد يخترق صدر كاليستو، نظر جوبيتر من السماء، فأبصر ما يحدث، فأمسك الرمح إشفاقا، وخطف كليهما من الأرض، ووضعهما بين النجوم في السماء، يطلق على أحدهما الدب الأكبر، وعلى الآخر الدب الأصغر.
وتقول الأساطير القديمة: إن جونو شكت بمرارة إلى آلهة البحر من طريقة معاملة جوبيتر لمنافستها وابن منافستها، وإهماله جونو نفسها. فقرر أولئك الآلهة إكرما لخاطرها، ألا يمس الدب الأكبر ولا الدب الأصغر المياه إطلاقا، ومن ثم تحيط مجموعتا النجوم هاتان بالقطب باستمرار، ولا تغطسان في الماء كما تفعل سائر النجوم الأخرى.
باوكيس وفيليمون
رغم أن جوبيتر كان، أولا وقبل كل شيء، إله السماء الواسعة، ويفكر فيه البشر على أنه يعيش دائما في قصره العجيب فوق جبل أوليمبوس، إلا أنه كان ينزل أحيانا إلى الأرض، ويختلط بسكانها في صورة بشرية. كان غرضه من أمثال هذه الزيارات أن يكتشف ما إذا كان الناس يراعون واجب إكرام الضيف وحق ابن السبيل؛ لأن جوبيتر لم يكن فقط ملك الآلهة والبشر، وإنما كان أيضا وبنوع خاص إله إكرام الضيف، الذي ينزل العقاب بكل من يعامل الأغراب بقسوة أو بغير رقة.
وحدث ذات مرة أن جوبيتر تنكر في زي مسافر فقير، ولم يصاحبه في هذه الجولة سوى ميركوري. فبدءا بزيارة أرض فروجيا، وطلبا المأوى لمدة الليل في بيت بعد آخر، ولكن أهل تلك المنطقة طردوهما، وسلطوا عليهما كلابهم تنبحهما، وأطفالهم تقذفهما بالحجارة، علاوة على الشتائم وعبارات الاحتقار.
طال الظلام، وكاد جوبيتر وميركوري يتركان تلك المنطقة يأسا. وأخيرا شاهدا كوخا منعزلا فوق مرتفع من الأرض بتلك القرية. كان ذلك الكوخ لزوجين عجوزين هما باوكيس وزوجها فيليمون. كان كوخا وضيعا سقفه من البوص والقش المأخوذين من مستنقع قريب، عاش فيه هذان الزوجان منذ أن تزوجا، وحظيا فيه بالسعادة والقناعة والرضا.
لما سمعت باوكيس الطرق على باب الكوخ أسرعت هي كما أسرع زوجها، ففتحا الباب ورحبا بالضيفين أعظم ترحيب، ولبيا طلبهما بصدر رحب أن يقضيا تلك الليلة في كوخهما. وخرجا يدوران حول الكوخ يجمعان الحطب لإيقاد نار يصطليها الضيفان، وقدما لهما كل ما كان لديهما من طعام.
عندما مد الغريبان يديهما لتناول الطعام، حدث شيء غريب؛ فقد كثر الطعام فجأة، وانبعثت منه رائحة عجيبة زكية، وفجأة أظهر الإلهان حقيقتهما في كامل عظمتها، فخر العجوزان راكعين أمامهما، وطلبا صفحهما عن قلة الطعام الحقير الذي قدماه لهما. فأمر جوبيتر باوكيس وفيليمون بأن ينهضا، وقادهما إلى قمة جبل مجاور. فلما نظرا إلى الوادي الذي كانا يقيمان فيه، اعترتهما الدهشة؛ إذ وجداه بحيرة واسعة، فبكيا على مصير جيرانهما، وحدثت المعجزة، ارتفع معبد عظيم الحجم إلى جانبهما، وعهد إليهما بالعناية بذلك المعبد. ولما مات هذان الزوجان بعد ذلك بعدة سنوات، ماتا معا في وقت واحد، وفي سن متقدمة جدا. وحولهما جوبيتر إلى شجرتين باسقتين أمام المعبد، شجرة بلوط وشجرة زيزفون، عبدهما الفلاحون إشارة إلى واجب إكرام الضيف.
अज्ञात पृष्ठ