الخداع هنا هو الحيلة التي نلجأ إليها جميعا، للخروج من حمى قهر الواقع، تماما كما نهرب من كابوسية الاستيقاظ، إلى حائط النوم، بحثا عن أحلام تربت علينا، حتى لو كانت هذه الأحلام ليست أكثر من انعكاس للواقع اليومي البائس.
إذا كانت السينما، رفضت فكرة صنع عالم من الحلم، المزيف، فلماذا إذن كانت العوالم الافتراضية، الحالمة في جزء كبير منها، مثل فيس بوك وتويتر، هي المهرب للكثيرين، حيث يقدم كل شخص وجها مختلفا عنه، وشخصية أخرى لا تشبهه، لكنه في الغالب كان يطمح أن يكونها أو أن يراه الناس عليها؟ وإذا كان يرغب في ذلك، فلماذا لم يكنها بالفعل؟
في ترومان شو، يكتشف جيم كاري، أنه مجرد فأر تجارب، في عالم مصنوع بالكامل، وأن كل من حوله ممثلون، في عالم يؤدي كل من فيه دوره بإتقان شديد، وأنه ليس أكثر من ممثل في أحد برامج «عالم الواقع»، وأن هناك من يتفرج عليه، وعلى زوجته، وعلى عمله، وأن كل ما يحدث ليس إلا جزءا من عالم افتراضي، وفي ماتريكس يثور البشر على برنامج الآلة، بحثا عن عالم أكثر واقعية، وتحقيقا للذات.
البحث عن الخالق، عن الحقيقة المطلقة، وراء هذا الوهم العظيم الذي نحياه، عمن يقف خلف الذين يحركون البشر والمصائر كعرائس الماريونيت، وهو ما يشبه ما نعيشه يوميا؛ حيث نفاجأ كل يوم بمصائر الأحياء تتغير، وكأنه مسرح، يغير فيه المخرج الأبطال والممثلين، في مشاهد دراماتيكية، لا يصدقها المشاهد.
الكتابة تصنع هذا في جزء منها، تتجاوز ما قبل به الذين يعرفون أنهم جزء من تمثيلية، للتعرف على ما وراء ذلك، هل الكتابة إذن هي محاولة للتصالح مع الذات، أم مع الخالق، أم مع العالم المحيط، أم محاولة لصنع عالم جديد، يخص الكاتب الوحيد؟ الإجابة أنها كل ذلك.
الكتابة ثورة، وربما تكون الملاحظة الأساسية، أننا أصبحنا نمتلك القدرة على الحلم بعد 25 يناير 2011، بالنسبة إلي لم أكن أتذكر أحلامي قبل اندلاع الثورة، كنت أراها تهاويم، ملامح سوداء ورمادية متداخلة لا أتذكر منها شيئا بعد أن أستيقظ. بعد الثورة أصبحت الأحلام واضحة تماما، ملونة، حتى لو كان العلماء يقولون غير ذلك، أتذكرها جيدا بعد الاستيقاظ.
ماتريكس، هو عالم افتراضي سلطوي، عندما قامت الآلات ببناء كمبيوتر ضخم جدا وربطت الأجنة البشرية الموجودة بالحقول بهذا الكمبيوتر للاستفادة من البشر كمصدر بديل للطاقة، وعاشت الأجنة البشرية وكبرت، ضمن حاضنات خاصة، وتمت السيطرة عليها عبر ربط برنامج تفاعلي للبشر يرسم الخطوط العريضة للحياة كما هي الآن، مع إمكانية تعديل العقول الموجودة في الحاضنات لهذا البرنامج التفاعلي. يطرح الأخوان واكوسكي في الفيلم عددا من الأسئلة العميقة والفلسفية حول عبودية الإنسان، وتحرره، وارتباطه بعالم تحت السيطرة الآلية، لا يمكن الثورة فيه، لأنك ترس في آلة، إن صدئت فهناك الكثير من التروس غيرك.
في فيلم ترومان شو، يسأل الابن ترومان، والده، أو المتحكم فيه: لماذا حبستني في العالم الوهمي منذ طفولتي حتى بلوغي؟ فيرد والده أنه لا يريد من ابنه أن يذوق طعم الألم في العالم الحقيقي، إلا أن ترومان لم يجد المنطق في كلام والده، لأن هذا هو المنطق الذي يتكلم به كل قاتلي الأحلام، وكل الأنظمة القمعية؛ لذا يسعى كاري إلى بلوغ النقطة الفاصلة بين العالمين، عالمه الحقيقي الذي يحلم به، والعالم القمعي الذي يحبسه فيه والده، في منطقة قرب السماء، وهو الأمر الذي يشبه تماما ذلك المشهد الأسطوري لميدان التحرير مساء 11 فبراير 2011، في السادسة وخمس دقائق بالضبط، عندما صرخ الشعب المصري صرخة واحدة عملاقة، سمع صداها العالم كله، فرحة بنجاح ثورته، وتحقق حلمه بالانعتاق من العالم الوهمي الذي صنعه النظام السابق، وبتكسير كل حواجز الخوف والقفز إلى مساحة جديدة من الألوان، تشبه تلك الألوان التي استخدمها كيروساوا في فيلمه «أحلام».
الثورة مرتبطة بشكل أو بآخر بالحلم، لأنها تأتي في الأساس على من افتقدوا الخيال السياسي، والقدرة على الحلم بالواقع الأفضل. الثائرون حالمون بطبيعتهم، ومن هنا يمكن القول إن هذا بعض ما يقوله فيلم الحالمون
the dreamers
अज्ञात पृष्ठ