अरमानूसा मिस्रीया

जुर्जी ज़ैदान d. 1331 AH
135

अरमानूसा मिस्रीया

أرمانوسة المصرية

शैलियों

قال: «إنه خان البلاد ولكنه لم يبعها بثمن، إن المقوقس خان دولة الروم مضطرا، وهو رومي الأصل مثلنا، فما الذي حمله على الخيانة؟ أطمع في مال أو سلطان؟! أم رغبة في التقرب من عظيم أو زعيم؟! كلا، إن المقوقس خان الروم فرارا من الظلم وتخلصا من جور دولتنا واستبداد حكامنا، ما الذي ترجوه من حاكم يسمع كلامهم في تحقيره بأذنه، ويرى قومه يهانون وتهضم حقوقهم أمام عينيه، ويرى كنائسه تقفل وأيقوناتها تكسر وبطاركتها ينفون ويقتلون، وكهنتها يزجون في السجون؟ وما الذي ترجوه من طائفة ذاقت عذاب الموت وقاست الذل والخسف قرونا متوالية؟ أترجو منها الإخلاص والطاعة؟ أم تخاف عصيانها وتمردها؟ فالقبط إذا ابتاعوا حريتهم وراحتهم بتسهيل الفتح على الفاتحين، ونحن لا ننكر خيانتهم وإنما أعقل الناس من عذر الناس. هب أن القبط حاربوا مع الروم فهل كنت تتوقع الفوز؟!»

فرفع أركاديوس رأسه وقال: «نعم كنت أرجوه ولا أشك فيه.»

قال: «أراك مخطئا، وقد رأيت ما حل بالشام وفلسطين والعراق من قبل. إن هؤلاء العرب تألفوا يدا واحدة على عمل ففازوا وفتحوا البلاد، وأخرجوا الروم من الشام، والفرس من العراق، ولا ريب أنها دولة أرسلها الله لاكتساح بقايا الدول الفاسدة من الروم والفرس، فلا بد من فوزها إن عاجلا أو آجلا، فلا يلام القبط على استبدالهم بنير الرومانيين نير العرب، وقد وقع إلي أن جندكم لما دخلوا الحصن لحمايته ووصلوا إلى كنيسة المعلقة أخرجوا راهباتها مهانات وهن مسيحيات وكسروا الأيقونات والكنيسة مسيحية مثل كنيستهم.»

فخجل أركاديوس لأن رجاله هم الذين فعلوا ذلك، ولكنه تجاهل وظل صامتا، فأتم الشيخ كلامه فقال: «أتدري ما فعل العرب عند دخولهم الحصن وقد فتحوه وحل لهم نهبه؟»

قال: «ماذا فعلوا؟»

قال: «دخلوا الكنيسة دخولهم معبدا من معابدهم، فطمأنوا الراهبات وخففوا عنهن، وأقروهن في ديرهن، وكن قد أخرجن منه يوم دخولكم، وزد على ذلك أنكم نفيتم بنيامين بطريرك القبط، أما العرب فبعثوا يستقدمونه مكرما معززا، وإن عجبت لشيء فاعجب لأنهم يرفقون بالحيوان فلا يمسونه بسوء، فقد ترك أميرهم عمرو فسطاطه منصوبا بقرب الحصن لأن تقويضه يقضي على يمام عشش فيه، فهل يلام المقوقس لنفوره من الروم وميله إلى العرب؟! ما الذي يرجوه من هؤلاء الفاتحين لنفسه؟! إنه لا يرجو مالا ولا متاعا ولا جاها ولا شيئا آخر، ولكنه سيق إلى ذلك مكرها. قد يعد عمله خيانة، ولكن فاعله لا يعد خائنا بل منتقما.»

وكان الشيخ يتكلم وشفتاه ترتجفان، ولحيته تنتفض، وأنامله ترتعش، وقد أخذ منه الغضب كل مأخذ، وأركاديوس مطرق يصغي يفكر في أمر هذا الرجل، على أنه أنزله من نفسه منزلة رفيعة لما سمعه من حديثه، وعظم عليه حال الروم لعلمه أن كلام الشيخ حق لا ريب فيه، فنهض وأخذ يمشي في أرض الحجرة ذهابا وإيابا صامتا يفكر، والشيخ جالس كأنه ينتظر ما يبدو من أركاديوس، فوقف أركاديوس وقال: «وما العمل يا مولاي؟»

قال الشيخ: «العمل ألا تلقي بنفسك إلى التهلكة بعد أن علمت ما علمته من ضعف الروم وفرارهم، أما أنت فكلنا يعرف فيك من عزة النفس والبسالة ما يجعلك بمنأى عن إساءة الظن بك، فأنت لا تفر من ساحة الحرب ولا تسلم للعدو سلاحك، ولكن الرأي قبل شجاعة الشجعان.»

قال: «وماذا أفعل إذن؟» قال: «أرى أن تتنحى عن الحرب إلى مكان تأمن فيه على نفسك، فإذا وضعت أوزارها بعث أمير العرب يستقدمك إليه معززا مكرما، فالإسكندرية مفتوحة لا محالة، ولا يمضي يومان حتى تكون في قبضة العرب عنوة.» قال ذلك وتأوه، ثم عاد إلى الحديث فقال: «تصور يا بني أن الإسكندرية أم العلوم ومحور التجارة ومثال العمران بما فيها من المدارس العالية والمكتبات الشهيرة والكنائس العظيمة والطرق العامرة والأحياء الآهلة والقصور الفخمة والحمامات الكثيرة والمصارف والحوانيت وغير ذلك. تصور أنها ستصير كلها إلى أيدي هؤلاء البدو الخارجين من بلاد قاحلة ليست بذي زرع.»

فقال أركاديوس: «معاذ الله أن تصير إليهم.» فقال الشيخ: «هب أنها لم تصر إليهم الآن فستصير إليهم غدا، وعندها لا يتيسر لك الفرار والاختباء.»

अज्ञात पृष्ठ