69

अरखस लयाली

أرخص ليالي

शैलियों

إنه ضعيف مسلوب القوة، وكان يرقب - من خلال وهنه وعجزه - نصيبه من سنويات القرية وهو يصغر ويصغر. كان يرقبه في مرارة معتلة وحقد ضعيف واهن، فالناس ما عادوا يأتمنون قوته على سواقيهم ومحاريثهم وفئوسهم، وإنما يلجئون لغيره من أفراد العائلة القوية، ويلجئونه معهم إلى أن يترك بدوره صناعة المحاريث وإصلاح السواقي إلى عمل الطبالي الصغيرة ومفاتيح الأبواب الخشبية، وإلى أن يسعى إليه الناس حين يلم بهم عرس، حتى يركب الدولاب أو ينصب السرير.

وكان نتاج هذه جميعها والحمد لله يكفي أن ينعم عبد اللطيف وامرأته وابنه وابنته بالرطل والنصف من اللحم كل يوم ثلاثاء، ويكفي أن يشتري حصيرة يرقدون عليها كل سنة، وأن يضيف إلى سقف وسط الدار المكشوف قطعة خشبية جديدة كل ستة أشهر، ولكنه لم يكن يكفي أن يسد مطالب الأفواه اللاصقة برقبته، فلا هو يقفل فم امرأته على قطعة لبان ولا يطبق فم ابنته على فص برتقال، ولا يكفي ابنه. لعنة الله على ابنه، هذا القزم الذي ظن يوم بشرته به الحاجة صباح أنه سيكون قوته المسلوبة وجذع النخلة الذي ينقصه، فإذا به ينشأ هكذا أصفر عليلا معوج الجذع والساق. - كده يا محمد ماشوفش فيك يوم راجي.

كانت هذه الكلمات على لسانه طول اليوم، كان يتوقع من ابنه الكثير، ولا يرحم ابنه حين لا يستطيع إلا أقل القليل، إنه لم يعلمه كيف يمسك الكماشة ليقتلع بها المسمار إلا بعد أن أصابه بأربعة جروح لا زالت بيضاء في رأسه، وبعد أن قذف به في الترعة مرتين، ومع ذلك فلم يستطع أن يمسك بها أبدا على الأصول!

كان عبد اللطيف يجتر كل هذا، ثم يكز على أسنانه، ويطلب من امرأته في جفوة أن تحضر له العدة والجوزة، ويرتشف في نهم من كوب الشاي الأسود، ويعب الدخان الكثيف الأزرق من الكرسي، ويشد الحزام الصوف إلى وسطه، ثم يفك حصره مرة أو مرات، ويستنزل اللعنات على أجداد ابنه، ثم يبصق في يده، ويمسك القدوم، ويعمل على مهل، وفي اشمئزاز ضعيف مقهور.

يعمل على مهل وامرأته الحلوة تختلس النظرات إليه من تحت أهدابها الطويلة، وقد ربطت رأسها بالقمطة الحمراء وسبسبت شعرها الأسود المجعد اللامع، حتى يبين طرفه من القمطة، ومدت رجلها البيضاء الممتلئة فبان قدمها النظيف الذي قضت وقتا طويلا في حكه بالحجر.

تختلس النظرات إليه وهو لا يدري أهذا الذي في وجهها ابتسام أم هو براعم ضحكة ستنفجر بعد حين. وعندما يكل ساعد عبد اللطيف - وما أقرب ما يكل - ينظر لها بعين فيها حمرة خابية، وفيها حيرة، وبوجه تائه مشحون ويكاد يقول: آه يا نبوية يا قتلاني.

والحق أنها كانت تقتله، وكانت تدفعه تحت جنح الظلام إلى الفص الأسود يغتصبه من تاجر الأفيون، وهو يقول له في غيظ: بكرة يا أخي أديلك.

كانت تقتله؛ لأنه كان يأكل ويستحلب لعاب شهيته وهو يمضغ حتى يستطيع أن يجرع كوب الشاي، وكان يقبض على الكوب بيده وتترنم أذنه بالنغم الذي يصدره وهو يحتسي السائل الأسود اللزج، ليتبعه بأنفاس الدخان.

وكان يأكل ويشرب الشاي، ويذيب الفص، ويلتهم الدخان؛ ليقضي الليل بطوله ويده تعبث بشعر امرأته الأسود المسبسب، بينما قمطتها قد انحلت، وتاهت في المخدة.

ولم تكن المشكلة تنتهي بانقضاء الليل، ولا بمضي الليالي، وإنما كان يراود عبد اللطيف السؤال الحائر: ترى هل نبوية قانعة بما يقدمه لها؟

अज्ञात पृष्ठ