واستأنف عوض أفندي صلاته وهو يقضي فروض الأيام التي مضت، وقد أدرك أخيرا أن الملاءة التي اعتاد الصلاة عليها غير كاملة الطهر.
ولما انتهى وقبل أن يطفئ النور جاء حامد، وكان قد ذهب للمرة المائة يرى الخدش، ووجد أنه أخطر مما كان يحسب، وأن رفته لا جدال فيه ولا شك.
وسأله عوض أفندي عن الساعة، فأجابه حامد وهو يتسلق سرير الأوسطى شرف ليصل إلى فراشه، وعاد عوض أفندي يسأله ويكذب ساعته، وبعد إصرار ومناوشات أدرك عوض أفندي مرعوبا أنه نسي تقديم ساعته، فظلت دائرة بتوقيت أوروبا، ومعنى هذا أن كل ما فات من صلاته باطل.
وفيما كان حامد يريح جسده المنهك برقت في ذهنه فكرة جهنمية، فماذا يحدث لو طلى الخدش بورنيش حذائه ليداريه؟ وبعد أن يمر أول يوم يصلحه على حسابه؟ وهل إذا فاتت على الأمير تفوت على الوكيل؟ كل شيء محتمل، ولكن ليس لديه خيار. وحين جاء النوم كانت البطالة وأيامها السود تجذبه من ناحية، والأمل يداعبه من ناحية أخرى، ولكن على أي الحالين كان طلاء الخدش أول ما يجب عليه في الصباح.
وأطفأ عوض أفندي النور والحزن يأكل قلبه على الفروض الضائعة، وحين كان يقرأ آية الكرسي ويلف يده حول رأسه كان قد صمم على أن يقضي الفروض كلها قبل مغادرة الباخرة، فيصلي الفجر، وينوي بعده للقضاء. ونام وهو يتمتم: إن شاء الله.
وفي ذلك الوقت كان دكتور القانون يبحث عن طرد ناقص، ووجده أخيرا تحت الفوطة، وابتسم للطرحة السوداء والفستان الحرير التي يحتويها الطرد، والتي أحضرها لأمه، ورأى نفسه دون أن يدري في قريتهم، والناس يقولون يا دكتور، ويسألونه عن أوروبا، والتهاني، وبابهم الكبير المفتوح، وأمه تحاول من فرحتها أن تزغرد وهو يخجل ويمنعها.
وعاد إلى نفسه وراح يحسب كل دقيقة من ساعات الصبح، ويحدد أين يقف وعدد الشيالين، ويوصي نفسه بالمحاسبة على طرد البللور، ويخمن المبلغ الذي سيسكت به موظف الجمرك، وتعب عقله ونام. ومع هذا كانت تتصاعد منه بين الحين والحين غمغمات تدور كلها حول الطرود.
وكان سعد الله السفرجي آخر من أوى إلى كابينته، فليلتها ذهب كما تعود إلى بيترو، وعب من خمره التي بلا ضرائب أو جمارك حتى ارتوى وفضفض كل ما عنده من إنجليزية وعربية وسريانية، واستمر يبحث عن الممر المؤدي إلى الكابينة، حتى عثر عليه الخادم السهران فقاده إليها، وما إن دخل حتى تهاوى جالسا على الأرض، وأتعبه الجلوس فتمدد لا يلوي على شيء، وعثرت يده حين فردها على صندوقه الكرتون، وفي داخل الصندوق ملست أصابعه على صوف البدلة الخشن، ورفت بذهنه المدووش ومضات، النادي النوبي، أبو عفان، الواقفة تحت المصباح في ميدان سليمان، والواحد مبسوط، البدلة.
ولدى ذكرها راق مخه تماما، وأقسم أنه لن ينزل من الباخرة إلا وقد ارتداها، ووضع يده في جيب بنطلونه، بنطلونه. •••
واستيقظ السبعة.
अज्ञात पृष्ठ