وكما يعم الصمت ساعة الإفطار في رمضان، سكتت الألسن فجأة في الحلوق على أثر هذه الأنباء، واهتزت الرءوس تجتر الأوامر السريعة المتلاحقة على مهل وفي وجوم.
وشعر كل واحد أن الأمر أكثر من أن يفكر فيه وحده، فتقارب الجيران مذهولين في حلقات، وامتلأت القهوة الوحيدة بالناس، وقد أصبحت مصدر التخمينات.
وعلى قدر ما أذهلهم ما سمعوه، فقد استنكروه وأبوا تصديقه. •••
ولم يستطيع مخبول أن يتصور أن القرية كلها قد نامت من المغرب، والليل انقضى دون أن يسمع للعشاء أو للفجر آذان، لم يتصور مخبول حدوث هذا.
ولم ينتظر واحد منهم أن ينصت له آخر، فراحوا كلهم يتكلمون في انفعال واضح، وقد علت الأصوات، واهتزت الأيدي، وكلما ارتفع الجدال وازدحمت القهوة كثرت آذان النساء والبنات الملتصقة بالنوافذ، تلتقط ما استطاعت التقاطه، ثم تطير به إلى المتحفظات القاعدات أمام الأبواب يتبادلن الآهات والحسرات.
وكان من المستحيل أن تستمر الحال على هذا المنوال، فشيئا شيئا كلت الأصوات، وهدأت المحاورات، ولف الحاضرون أيديهم حول كوبات الشاي والقرفة، فقد كان هذا آخر عهدهم بالقهوة التي ستغلق أبوابها بعد اليوم، ويبحث محمد أبو حسين صاحبها لنفسه عن عمل ثان، هكذا قالت الأوامر.
وسرعان ما بددت الجماعة الوجوم الذي أدى إليه النقاش، واستطاع جمعة أن يرفع صوته الأخنف، حتى يسمع الموجودين ما كان يود قوله من زمن: والنبي لماشي في نص الليل، واللي يقابلني حتف في وشه.
ورد عليه حامد الصعيدي الذي يعمل الطعمية أيام السوق بصوته اللزج قائلا: يا شيخ اتلهي، دانت لو دقت كرباج ...
وضحك الجمع، واستمروا يضحكون، وشعبان مقاول الأنفار يدق بيده على صدره ويقول: بذمة محمد أنا آكل عشرة من الكتربنت السود دول.
وساهاه عبد الفتاح الخفير، وهو في حموة كلامه، ودلق بعض الماء في قفاه، وانتفض شعبان ملسوعا خائفا، ولعلعت القهقهات.
अज्ञात पृष्ठ