وكما أن البصر يقضى على المرئى وغير المرئى (مثل الظلمة، فانها غير مرئية ولا مبصرة) ويقضى على المفرط فى نوره المستضىء جدا (فانه كالظلمة غير مبصر، بضرب من الضروب 〈غير الظلمة〉)، كذلك السمع يقضى على القرع والسكت (وأحد هذين مسموع، والآخر غير مسموع)، ويقضى أيضا على القرع العظيم، كقضاء البصر على المستضىء المستنير، وكما أن القرع الخفى الضعيف والعظيم الفظيع ليسا بمسموعين (أما أحدهما فلضعفه، والآخر فلأضداده)، كذلك الشىء الذى ليس بمبصر إما لم يبصر لأنه لا إمكان فى رؤيته، وإما لم يبصر لغاية قلته كصغير الأرجل من الحيوان يقال لا أرجل له، ومن الثمار ما خفى عجمه قيل لا عجم له، — وكذلك يقضى الذوق على المذوق، 〈وغير المذوق〉 إما لضعفه وقلته، وإما أن يكون فيه كيموس مفسد قوة الذوق، كالنور المفرط للبصر، والقرع العظيم للسمع. ونرى أن قانون هذا الحس 〈هو〉 الشىء المشروب وغير المشروب، وذلك أن كليهما ضرب من المذاق، إلا أن أحدهما مفسد الحس، والآخر يجرى مجرى الطباع. فالمشروب شىء شائع يجمع حس اللمس والذوق. — والحس المدرك له مضطر أن لا يكون رطبا بالفعل، ولا غير ممكن لقبول الرطوبة. وذلك أن حس المذاق يألم من المذوق من جهة طعمه وذوقه. فالحس المدرك لهذه ومثلها ليس برطب. والدليل على ذلك أن اللسان يدرك الذوق ما لم يكن يابسا جدا ولا رطبا جدا: وهذا الإدراك يكون للرطب الأول، كمن قدم مذاقة كيموس شديد المذاق ثم ذاق غيره بعده، وكالذى يعرض للمرضى فان جميع الأشياء 〈مرة〉 فى أفواههم، من أجل أن اللسان مملوء من رطوبة ذات مرارة.
وأنواع الكيموس كأنواع الألوان: الأطراف منها متضادة كالحلو والمر؛ وأوفى من هذين ويزيدهما: الدسم والمالح؛ وبين هذين الحريف والعفص، والقابض والحامض. فهذه الضروب أكثر ما نجد من فصول الكيموس فالمذاق ما كان بالقوة ذائقا، والمذوق هو المخرج لذلك إلى الفعل.
[chapter 16: II 11] 〈اللمس والملموس〉
والقول يجرى على هذا النحو فى اللمس والملموس، لأن اللمس إن لم يكن حسا واحدا مفردا وكان كثيرا فى العدد، فحرى أن يكون الملموس من جهة الإدراك معادلا له فى الكثرة. ولسائل أن يسأل: أكثيرة أصناف حس اللمس؟ أو إنما هى واحد مفرد؟ — وما الجزء الحاس المدرك لحس اللمس: اللحم، أو غيره؟ أو إنما هو شىء متوسط، والحاس الأول غيره وهو داخل؟
पृष्ठ 56