والاشتمام يكون بالمتوسط، من الماء والهواء، وذلك أن ذوات الماء موجود لها حس الاشتمام، وكذلك ما كان له دم من الحيوان وما لا دم له، كالتى فى الجو، فان طائفة منها لمكان اشتمامها قد تنزع الى الطعم من بعد بعيد. — ولذلك ترى كيف صار الجميع يشبه بعضه بعضا فى حد الاشتمام، والإنسان لا يشتم فى حال إخراجه النفس ولا فى إمساكه إياه، لا إن دنا منه المشموم ولا إن بعد ، ولا لو وضع على منخره، لكنه يفعل ذلك فى حد استنشاقه (ذهاب الرائحة على الحس الشام إذا وضع عليه المشموم — شىء شائع لجميع الحيوان؛ وأما أن لا يدرك المشموم بغير تنسم فهذا خاص للإنسان: ومن رام ذلك عرف حقيقته). فلما كان الحيوان الذى لا دم له غير متنسم صار له ضرب من الحس غير الضروب المعروفة، إلا أن ذلك لا يمكن إذا كان هذا الضرب من الحيوان مدرك الرائحة بحسه، لأن الحس بذى الرائحة إنما هو اشتمام لذيذ وكريه. وبدن هذا الحيوان قد يفسره ما يفسد الناس من شديد الرائحة الكريهة مثل الكبريت والاسفلطوس وما شاكل ذلك. لأنه لا يشتمه إلا بالاضطرار ولا يتنسم. — فهذا الحس من الاشتمام له فى الناس فصل يفرق بينه وبين سائر الحيوان، كالفرق بين سائر الحيوان وبين قاسية الأعين، وذلك 〈أن〉 لأكثر أعين الحيوان حجبا وسترا وأغطية. وما لم يحركها الحيوان ولم يرفعها عن العين لم ير شيئا، 〈أما〉 ذوات القساوة فى أعينها فليست محتاجة إلى شىء من هذا، بل قد تدرك ما كان فى صفاء الجو من ساعتها. وكذاك حس الاشتمام فى بعضها لا حجاب له كالأعين التى ذكرنا، وأما قابل الهواء من الحيوان فلحس اشتمامه حجاب إذا تنسم ارتفع، فتعرض الأوراد وتتسع المجارى. من أجل ذلك لم يكن للمتنسم من الحيوان فى الاشتمام فى الماء: لأنه مضطر إلى الاشتمام بالتنسم، وليس يجد إلى ذلك سبيلا وهو راكد فى الماء. الرائحة إنما هى للشىء اليابس، كما أن الكيموس للرطب؛ فحس الاشتمام يدرك الأشياء بالقوة.
[chapter 15: II 10] 〈الذوق والطعم〉
पृष्ठ 54