ثم يعرض لنا ما قلنا من شركة من قال إن النفس جسم لطيف الأجزاء، أو لمن قال بقول ذيمقراط وأتباعه، لأنه إن كان النفس فى جميع الجسد الحاس 〈فمن〉 الاضطرار أن فيه جسمين، إن كانت النفس جسما؛ ويلزم القائلين إن النفس عدد إثبات نقط كثيرة فى نقطة واحدة، وأن لكل جسم نفسا، إلا أن يكون هناك عدد غير عدد النقط الموجودة فى الجرم. — ويعرض أيضا من قولهم إن تحرك الحيوان لا يكون إلا من عدد، كالذى ذكرنا عن قول ذيمقراط، ولا فرق بين من قال إن المحرك للنفس أجسام صغيرة مستديرة، وبين من قال إن الآحاد العظيمة تحركها: لأن قائلى هذين القولين جميعا يوجبان للحيوان التحرك بتحرك الآحاد والهباء المستدير. — هذا وكثير غيره من قبيح القول يعرض لمن أضاف الحركة إلى العدد، فزعم أنهما محركان للنفس. ومثل هذا القول لا يمكن أن يكون حدا للنفس، ولا حدا للعرض. وإنما يستبين ذلك متى طلب أحد استخراج علم أفعال النفس من هذا الحد أو علم الآفات المعترية لها كقولك: الفكر، والادراك بالحس، واللذاذة والحزن وغير ذلك مما يشاكل هذا الضرب. وليس يسهل هذا ولا يسوغ ولو أردنا المعنى والقصد، كالذى قلنا.
والضروب التى يحدون النفس بها حدود ثلاثة: منهم من حدها فأثبت لها الحركة وأنها محركة نفسها؛ ومنهم من قال إنها جسم ألطف أجزاء من سائر الحيوان. وقد تقدمنا فقلنا ما يلزم من قال بهذا القول من المسائل والمعاياة، وأخبرنا بما فى قوله من التناقض والاختلاف. وقد بقى علينا النظرفى القول الثالث، وهو قول من رأى أن النفس من العناصر. — لنعلم كيف قالوا هذا القول. والذى دعاهم، بزعمهم، إلى أن يقولوا هذا القول إثبات الادراك لها، ليكون إدراك الأشياء عاما لكل واحد منها. وقد يعرض فى هذا القول بالاضطرار أشياء كثيرة غير ممكنة، وذلك أنهم وضعوا فى أصل كلامهم أن المثل يعرف بالمثل، فجعلوا النفس كأنها هى الأشياء؛ وليست الأشياء المعروفة عند النفس كل الأشياء ولا غيرها، بل هناك غيرها كثير وعسى أن تكون لا غاية لعددها. — فإن جعل النفس تعرف ما منه كانت وتحس بكل جزء منها؛ فجملة الأشياء: بماذا تعرفها وبماذا تحسها؟ كقولك: بأى شىء تعرف الله، أو الانسان، أو جزء اللحم، أو جزء العظم وما شاكل ذلك من ذوى التركيب؟ فان عناصر كل واحد من هذه لم يتواف على البحث أو كيفما جاء، إنما توافى وائتلف بقدر من أقدار التركيب، كما قال أنبادقلس فى العظم:
«إنه توافت ثمانية أجزاء لكونه: أربعة من النار
«واثنان من الأرض
واثنان من الهواء، فصارت العظام من أجل هذه بيضا».
पृष्ठ 23