الاربعون حديثا :54
لقد اوضحنا في شرح الحديث السابق ، انه يمكن ان تكون للانسان في عالم الملكوت صورة تغاير الصورة الانسانية ، وان تلك الصور تتبع ملكوت النفس وملكاتها ، فاذا كنتم ذوي ملكات فاضلة انسانية ، فستجعل هذه الملكات صوركم ، انسانية عندما يحشر الانسان ومعه تلك الملكات ما لم تخرج عن طريق الاعتدال ، بل ان الملكات انما تكون فاضلة حين لا تتصرف النفس الامارة بالسوء فيها ، ولا يكون لخطوات النفس دور في تشكيلها .
يقول استاذنا الشيخ محمد علي الشاه آبادي دام ظله : «ان المعيار في الرياضة الباطلة والرياضة الشرعية الصحيحة هو خطى النفس وخطى الحق ، فاذا كان تحرك السالك بخطى النفس وكانت رياضته من اجل الحصول على قوى النفس وقدرتها وتسلطها ، كانت رياضته باطلة وادى سلوكه الى سوء العاقبة . وتظهر الدعاوي الباطلة عادة من مثل هؤلاء الاشخاص .
اما اذا كان تحرك السالك بخطى الحق وكان باحثا عن الله ، فان رياضته هذه حقة وشرعية وسياخذ الله تعالى بيده ويهديه كما تنص على ذلك الآية الشريفة التي تقول : « والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا...» (1) وسيؤول عمله الى السعادة ، فتسقط عنه «الأنا» ويزول عنه الغرور . ومعلوم ان خطوات الشخص الذي يعرض اخلاقه الحسنة وملكاته الفاضلة على الناس ليلفت انظارهم اليه هي خطوات النفس ، وهو متكبر واناني ومعجب بنفسه ، وعابد لها» .
ومع التكبر تكون العبودية لله وهما ساذجا ، وامرا باطلا ومستحيلا ، وما دامت مملكة وجودكم مملوءة بحب النفس وحب الجاه والجلال والشهرة والترأس على عباد الله ، فلا يمكن اعتبار ملكاتكم ملكات فاضلة ، ولا اخلاقكم اخلاقا الهية . فالفاعل في مملكتكم هو الشيطان ، وليس ملكوتكم وباطنكم على صورة انسان . وعند فتح العيون البرزخية ، ترون ملكوتكم على غير صورة الانسان ، وانما هي صورة احد الشياطين مثلا . وحصول المعارف الالهية والتوحيد الصحيح امر مستحيل بالنسبة الى قلب كهذا ما دام مسكنا للشيطان ، وما دام ملكوتكم غير انساني ، وما دامت قلوبكم غير مطهرة من هذه الانحرافات والانانيات .
في الحديث القدسي يقول الله تعالى : «لا تسعني ارضي ولا سمائي ، بل يسعني قلب عبدي المؤمن» (2) ما من موجود يكون آية جمال المحبوب سوى قلب المؤمن . ان المتصرف في قلب المؤمن هو الله ، لا النفس . الفاعل في وجوده هو المحبوب ، فليس قلب المؤمن متمردا ولا تائها .
पृष्ठ 54